الأربعاء، 27 مايو 2009

طنط قشطه




لا أعرف بالضبط لماذا كنا نناديها بهذا الأسم , وهل لهذا علاقة بشدة بياض بشرتها وسمنتها المفرطة , أم أن هذا هو الأسم الحقيقي الذي أطلقة أبواها عليها ,
على كل حال فلنترك أمر هذا الأسم الأن ولنتعرف على صاحبته, سيدة أربعينية تزين وجهها دوما إبتسامه وضاءه , عينان ودودتان, بمجرد النظر إليهما , تستشعر أنك تعرف صاحبتهما من زمن , بساطتها تدخلك معها في حوار مباشر , مندفعه بعض الشئ برغم الهدوء الذي قد يشع من حولها , مثقفه بدرجه عاليه , تتابع الأحداث بشغف وتتفاعل مع كل حدث بطريقتها الخاصه , نشطة لحد مذهل , وبقدر إندافاعها وفرط نشاطها إلا أنها تهدأ بسرعه , حين تري إجتياح القوات الاسرائليه لغزه تنادي بمساندة أخوتنا في غزة ومقاطعه كل ما هو أمريكي , يحدث هذا صباحا , وتراها في المساء وقد جلست بأحد مطاعم الوجبات السريعه الأمريكيه والتي تهواها بشغف,
حين نشرت الصحف الدنمركيه الصور المسيئه لرسولنا الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) كانت أولى المناديات بمقاطعة بضاعتهم , لكنها لم تلبث كثيرا حتي عادت وبررت إستخدامها لبعض تلك البضائع , الضرورات تبيح المحظورات , وبعض هذه المنتجات في نظرها ضرورية ,
لم تحظ يوما بزوج رغم رقتها ودفء مشاعرها , حين تسألها أحداهن عن السبب , تضحك وهي تحاول مدارة حيرتها , مرجعة الامر للقسمة والنصيب, رأيها أن المرأه نصف المجتمع لكن يجب أن تكون السياده للرجل والقياده لسفينة الحياة يجب أن تناط به , لكن لا يمنعها رأيها هذا من الأنضمام لجمعيات حقوق المرأه ,
تعشق حب وطنها , لكنها ناقمه على كل الساسه , تظن أن التغير الجذري للقيادات الحإليه سيأتي بكل خير , لديها تصورها الخاص بمجتمع قائم على العداله والمساوة , لكنها لم تنخرط يوما في أي تنظيم سياسي او حزبي لتفعيل فكرها ,
تنصح كل رفيقاتها وبناتها في المدرسه الثانويه التي تعمل بها كمدرسه أولى للغة الفرنسيه بعمل حميه للمحافظه على قوامهن , وهي أولى المخالفات لتلك النصائح ,
تركيبه عجيبه من المتناقضات, لكنها تتمتع بحب كل المحيطين بها , وحافظة أسرار الجميع , الناصحه الأمينه التي يلجأ إليها الصغار والكبار, صاحبة كريزما خاصة , بناتها كما تحب أن تطلق هي على طالبات الصف عندها, يعاملنها بحب فائق يصادقنها , ويغتنمن كل فرصه للتقرب منها , كن طريقها إلى معرفة صفحات الأنترنت , والشات , من خلالهن عرفت عن الكثير من القضايا , وتفاعلت معها , كتبت وشاركت البنات أحلامهن , وشجعت الموهوبات منهن , روحها المغامره وجرائتها جعلت منها خير محفز لأستنهاض طاقات البنات , دلتها أحداهن على موقع شخصي يهاجم الحكومه , وينتصر لاحدي الصحفيات اللواتي أحتجزن ظلما , يجمعون التوقيعات لمناصرتها , كتبت بصدق رافضه الظلم , ومندده بما حدث , تكرر الموقف حين سمعت عن موقع يدعو إلى الأضراب العام, كتبت مشاركه ومسانده , لم تكن على درايه قويه بتكنولوجيا الويب , تسجل باسمها الحقيقي , وتذكر كافة البيانات بشفافيه ,
وصلتها رسائل تهديد , ورسائل أخري تحمل في طياتها سب وشتائم رهيبه, تجاهلت كل هذا , فوجئت بجرس الهاتف في ساعه متأخره, شخصا يهددها , ويتوعدها , أغلقت السماعه ,باتت ليلتها متيقظه, في الصباح طلبتها المديره , لمحت أثار الفزع والحزن على قسماتها , سألتها بحذر عن اخر إجازه قامت بها , لم تفهم المغزي , طلبت منها أن تقدم على إجازه , حين حاولت أن تفهم , لم تعطها الفرصة , ألمحت بأن عليها ضغوط , وأنها تفضل لو قدمت إستقالتها , فهي لا ترغب في وجود مشاكل, لم تستطيع أن تفهم , جلست في البيت أياما لا تدري أتبكي أم تكتم ألمها , زارتها بناتها , غضبن لما حدث , وعدنها بأن يكتبن عن ما حدث لها , وأن يستنصروا الوزير , تبسمت وهي تحذرهم من كتابة أي شئ , الأن على الأقل , مضت الأيام رتيبة , لا يكسر كآبتها سوي زيارات البنات لها من وقت لأخر , أقبالها على الحياة خفف من حدة محنتها , التي لم تعرف لأنتهائها تاريخا , أفاقت ذات صباح على جرس الباب , وجدتهن بصخبهن ومرحهن , أخبرنها عن مظاهره سيشتركن فيها للتنديد بالظلم والفساد , طلبن منها أن تخرج من عزلتها وتشاركهن, ترددت في البدايه لكنها وجدتها فرصه لأستخراج مكنون صدرها من الحزن المكبوت , هللن لموافقتها , وأتفقن على الحضور في الغد لأصطحابها , مكثن يصغن بعض العبارات الرنانه , وأتفقن على عمل بعض اللوحات المعبره عن غضبهن , تناست حزنها لوهله وهي تنصهر بين أفكارهن وحماسهن, في اليوم التإلى كانت على الموعد , خرجت معهن وكلها حماسه , أنضممن لجموع المتظاهرين , هتفت بأعلى صوتها , لم تشعر ألا وهي في مقدمة الصفوف , شعورها بالظلم كأن وقودا لمشاعرها,أزداد الهتاف , وتكاثرت الجموع أكثر فأكثر , أقتربن من سياج من رجال الأمن طوق المكان, لم يجفلن , تراجع السياج أمام ضغطهن خطوات , بصيحه من رئيسهم أرتفعت الهروات في الهواء , لم يتوقف الزحف , صرخة أخري جعلت الهروات تهتز في أيديهم بعنف فوق الرؤوس, تفرق البعض , وأنهارالبعض تحت وطأة الضرب الأعمي والأصم , بدأ رجال الأمن في إلقاء القبض على البعض , وتقيدهم وشحنهم في السيارات المنتظره , لم تدر إلا وهي ملقاة في زاويه إحدي سيارات الأمن , وفوقها ثلاث بنات قد خضب الدم وجوههن, في ظلمة السجن جلست تبكي بحرقه , لم يتوقف دمعها , إلا بمواساة أحدي زميلاتها في الزنزانه ذكرتها بعدل الله وأن ما هم فيه أنما هي محنه من الله , أطمئنت لحديثها وهدأت نفسها قليلا , في الصباح أفاقت على أسمها ينادي , نظرت بصمت إلى الضابط , شعرت بكراهيه لم تستشعرها يوما, تبسم في تشفي وهو يوجه لها الأسئله , لم ترد على أغلب الأسئله , كانت نظرات الأحتقار والأزدراء تملؤه غضبا عليها فيشير لأحد زبانيته أن يلطمها , حين أعادها إلى الزنزانه كانت دموعها تغطي قسماتها, أحتضنتها رفيقتها في حنو , ربتت على ظهرها همست في ود أصبري أقترب يوم القصاص , لم تفهم ما تعنيه , مكثت في حبسها عشرون يوما , ذاقت فيها صنوف الذل والهوان, حظها العاثر أوقعها مع ضابط بلا ضمير , يتسلي برؤية الدم والدموع , يعتبر كل خارج عن السلطه وأوامرها مهما كان , خائنا يجب النيل منه, بأسإليب قانونيه أو قمعيه لا يهم , قضت ليإليها دامعه ذاهله , وأيامها ذابله متألمه بين أسإليب مهينه في التحقيق , وسيل من الإهانات والتعذيب ,لم يخفف عنها الا حديث زميلتها التي عرفت فيما بعد أنها صحفيه في جريده معارضه للسلطة , وأنها منتميه لجماعة تدعو إلى الحريه والديموقراطيه , كما حاولت أن تشرح لها أهدافهم ورغبتها في أن تصبح واحدة منهم تناضل من أجل الوطن وتحريره من الطغيان , كأنت تستمع إليها وتناقشها أحيأنا في محاولة لقتل الوقت ,لم تكن مقتنعه تماما بما تناقشها فيه , وبما تحاول أن تقنعها به وهو الإنضمام إليهم في سعيهم إلى إحداث تغييرولو بالعنف طالما أن الوسائل السلميه لم تفلح , تعددت جلسات التحقيق , لم يصل معها الضابط لشئ يدينها , جاءته الأوامر بالافراج عن كل من أعتقلهم , خرجت أنسانه أخري غير التي دخلت, مرتابه في كل من تقابله, زائغة النظرات, مرتبكة الفكر , لا ترد على الهاتف, لا تستقبل أحد في بيتها , قاطعت الجيران , وأنقطعت عن بناتها , عبثا حاولن أنتشالها من حزنها , كانت الأسئله بداخلها كثيرة , وعلامات الأستفهام لا حصر لها , لماذا يحدث لها هذا ؟ وكيف يكون الحوار هكذا القلم ترد عليه العصا ؟ والقوه تتصدي لأي رأي؟ كأنت تظن أن العالم ليس بهذا السواد ، ولم تسكنه الظلمه بتلك القسوه , خوفها على بناتها أن أقتربن منها , جعلها تتأني في إعادة علاقتها بهن , حاولت استعادة وظيفتها , كتبت للجهات المعنيه , طال أنتظارها , حاولت شغل وقتها بالكتابة , راسلت بعض الصحف , نشرت قصتها إحدي الصحف ، قصدت مبني الصحيفه لتشكر المحرر , فوجئت برفيقة زنزاتها , تبسمت وهي تهم بالجلوس , تجاذبا أطراف الحديث , أنصرفت على وعد بلقائها , بعد عدة لقاءات عرضت عليها الإنضمام إلى جماعتها , شعرت بأنه ماعاد شئ تخسره , وافقت .
نشاطها وإخلاصها جعلها تتقدم الصف , في أشهر قليله أنضمت لقيادة المجموعه , تعلمت الكثير عن قضايا الوطن , وكيف تدار الأمور لمصلحة ثلة قليله منتفعه , لا يهمها سوي مصالحها , قرأت الكثير من الملفات , تعرفت على الوجه الأخر لهؤلاء المتشدقين بحب الوطن أمام الشاشات , وكيف هو فسادهم وأفسادهم الذي طال شتي مجالات الحياة , حين أفاقت ذات يوم ونظرت في المرآه سرت بجسدها قشعريره , لم تعرف وجهها في المرآه , لم تكن ذات المرأه.

تمت

طيف الغريب



كنت قد سئمت العمل يوميا لوقت متأخر ومن ثم التوجه الي مكتبتي الصغيره بالمنزل لمعانقة أحد الكتب حتي موعد نومي الذي يحين بعد صلاة الفجر,، لذا فقد قررت أن أعطي لنفسي عطلة إجباريه لأكسر حاجز الملل الذي كان قد بدأ يحيط بي ، حين إستيقظت صباحا كنت قد نسيت ما عزمت عليه بالأمس ، أغتسلت تناولت قهوتي وأنا أرتدي ملابسي مسرعا ، وذهني منشغل بما سأفعله بالعمل كالعاده ! عند إقترابي من الباب لمحت صورتي بالمرآه ، ذكرتني علامات الإجهاد علي قسمات وجهي بما كنت أنتويته أمس ، أرتسمت علي وجهي إبتسامة رضا وأنا أتوجه لسيارتي لبدأ عطلتي ،
قدت علي غير هدى كنت أتوق لممارسة أقصي درجات الحريه والتمرد ، لم أحاول أن أخطط للقيام بشئ محدد ، شعرت بأني بحاجه للأنطلاق دون خطط مسبقه كالتي أضعها كل يوم لعملي ، شعرت براحة وأنا أنطلق في طريقي دون أن يكدر صفو تفكيري أي مشاغل أو هموم
إلتفت بعفويه لسيارة تسير بجوار سيارتي ، لمحت شخص متجهم يقود بجديه وبجوارة سيدة تثرثر ، ينظر إليها بضيق من حين لأخر ، تخيلت الحوار بينهما ،يبدو أنهما زوجان ، تلومه في عصبيه وهي تشيح بيدها ، ربما قلة أهتمامه بها وبطلباتها ، تطرق برأسها ، وهي تتمتم يبدوا أنها تذكره بأيام الخطوبه وكيف كان يعاملها ويلبي طلباتها حتي قبل أن تطلبها ، يغمغم بكلمات تشي قسماته بغضبه ، وكأن لسان حاله يقول وهل أنت هي التي خطبتها يوما ؟،
حين إلتفت للمره الثانيه كانت إبتسامه هادئه تعانق شفتيها ، وهي تهم بأطعامه بيديها ، تغيرت نظرتي للأمور ، يبدوا إنهما عاشقان يحلمان ويعيشان قصة حب بجميع متناقضاتها ، تجاوزتهما بسيارتي ، لم يمض وقت طويل حتي وجدتني بمحاذة شاحنة عملاقة يقودها سائق مفتول العضلات ، يتملل في جلستة من آن لأخر ، يطلق بوق التنبيه بسبب وبدون ، حاولت أن أتخطاه ، رمقني بنظرة غاضبه وهو يسرع أكثر ، هدأت من سرعتي وأنا أبتسم له في ود مفسحا الطريق له ، نظر في تعجب وقد راقة ما صنعت ، أشار لي بيده كي أمر .
فجأه وجدتني بمحازة الكورنيش ، أغمضت عيناي لبرهة وأنا أستنشق الهواء بعمق ، كانت أشعة الشمس تخترق الأمواج برقة ، والزرقة التي تنعكس علي صفحة الماء تبعث في نفسي سكينة ، فكرت أن أترجل من سيارتي ، لكنني تراجعت في اللحظه الأخيره ، كنت مستمتعا بإنطلاقتي ، لكن حين لمحته وهو يعبر الطريق مشيرا بعصاته ، أبطأت من سرعة السيارة ، وأنا أستعد للتوقف ، عدت مسرعا إليه ، أمسكت بذراعه وأكملت معه عبور الطريق ، ثم أجلسته علي كرسي بمواجهة البحر، تبسم وهو يشكرني ، وهمس مازحا أنت فاكرني أعمي ، ربت علي كتفه وأنا أسأله اذا كان بحاجه لشيء ،لا أعرف أين تقابلنا قبلا لكني كنت علي ثقة بأنني إلتقيته قبلا بعدما إبتعدت عدة خطوات وجدتني أتوقف ، عدت أدراجي لأجلس بجواره وقد أستشعرت بأنه بحاجه لأنيس ، جلست بجواره وربت علي ظهره ، هز رأسه في رضا ورفع رأسه وكأنه ينظر إلي الأفق ، رغم النظاره السوداء التي كانت تغطي عينيه ، شعرت بإبتسامه تحاول أن تعانق شفتيه ، ساد صمت لبضع دقائق ، كنت خلالها أفكر لماذا توقفت ؟ ولماذا جلست معه ، قطع الصمت بسؤاله عن حالة الموج ، قبل أن اجيب أستطرد أظنه عاليا الهواء شديد اليوم ، أومئت موافقا وكأنه يراني ، ثم سألته هل تأتي إلي هنا كل يوم ، هز رأسه في نشوة وهو يجيب كل يوم ، ثم أردف ألم نتقابل قبل اليوم اشعر بأن صوتك ليس بغريب علي أذني ،
مرت لحظات صمت قطعها بصوته الذي بدا ودودا ، وهو يعرفني بنفسه ، ثم أردف كنت أعمل طبالا في إحدي الفرق ، لكني الآن تبت والحمد لله ، سمعت الشيخ في خطبة الجمعه يتوعد العاصيين بجهنم ، من وقتها تركت العمل ، وقد وعدني الشيخ أن يجد لي باب رزق حلال ، علي كل حال أنا لم أكن سعيدا بهذا العمل ، كان هناك الكثير من التصرفات التي تزعجني ، ولم أكن أقدر علي شيء لعجزي وقلة حيلتي ، لم أستطع تعلم حرفه أو إيجاد عمل غير هذا ، ولا أخفي عليك كان هذ العمل يدر علي الكثير ، ثم توقف فجاءه وهو يعتذر عن إسهابه في الحديث ، و توجه إلي بسؤال وأنت يا أستاذ ماذا تعمل ؟ أنتبهت لسؤاله بعدما كنت مصغيا إلي حديثه ، ثم أجبته صحفي أعمل باحدي الصحف ، أكمل حديثك ربما أكتب عنك وعن حكايتك في الصحيفه ، هز رأسه في عجب وأشرأب عنقه زهو يسال من جديد ، والشغلانه دي بتكسب كويس ، فتر ثغري عن إبتسامه وأنا أجيبه مستوره والحمد لله ، ساد الصمت من جديد ، بعدما سرح كل منا بخياله ونحن جالسين قبالة موج البحر وهو يزبد ويرغي .
قطع الصمت صوت ضحكه أنثوية صاخبة مرت صاحبتها بجوارنا ، إلتفت لأرى صاحبتها ، وتبعتها بنظري قبل أن أعود لرفيقي وسؤاله الذي ألقاه بعفويه ، هي حلوه ؟ دهشت من سؤاله ! لكني حاولت إخفاء دهشتي حتي لا إشعره بحرج ، لكنه فاجأني وهو يستطرد في حديثه والإبتسامه لم تفارق شفتيه لا تتعجب فلم أكن كفيف طوال عمري ، لقد كنت دوما أتمني أن تجمعني قبلة بأي أمرأه ، وددت لو عشت هذا الشعور وأحسست بتلك النشوه التي يتحدثون عنها ، ثم صمت برهه قبل أن يوجه سؤاله لي – هل جربت أنت هذا الاحساس ؟ صدمني سؤال وأنا الكاتب الذي يكتب عن الحب والعشق والعلاقات بين الناس ويصف ادق المشاعر ، لكنه وفي نفس الوقت فاشل علي الصعيد الإجتماعي والعاطفي ، لم يقم يوما علاقه مع اي فتاة ، حتي انني لم أفكر في الزواج ، كرر سؤاله وهو يتحسس الكرسي وظنا منه إنني غادرت ، إنتبهت ليده ، طمأنته وأنا أجيبه وأربت علي كتفه ، إنني لم أعش هذا الإحساس يوما فأنا غير متزوج ولست علي علاقه بأي أمرأه ، لقد كان وقتي كله لدراستي ثم لعملي بعد ذلك ، ظهرت إمارات الخيبه علي وجهه وهو يرد - خسارة – كنت أظن إن شخص مثلك سيكون الأقدر علي وصف هذا أساس عاشه هو وعجزت أنا عنه !
سألته لكن لما لم تفكر أنت في الزواج .. دق الأرض بعصاه في ضيق وهو يحاول مدارة إبتسامة ساخرة أطلت من قسمات وجهه وهو يجيب هل تجد من ترضي بعاجز مثلي ... ناهيك عن إني غير قارد علي إعالة نفسي فما بالك بالزواج والأولاد ، ثم توقف هنيه لكن لا تظن إني غير راض بالعكس أنا مؤمن بقضاء الله وقدره وقد سمعت الشيخ يردد إن من يرضى بحرمانه من نعمة البصر فليس له عند الله من جزاء الا الجنه وأنا صابر وراضى ، ثم إلتفت إلي مجددا وهو يضك ويقول هي كانت حلوه .
حديثه جعلني إدرك أنني ظللت كل تلك السنوات أسير في اتجاه خاطئ ، ما فائدة نجاحي في عملي الذي لم يحقق لي إلا قدر ضئيل من السعاده ، لما لم ألتفت يوما إلي حياتي وأحاول تنظيمها ، لما لم أحاول أن أعيش حياتي كما ينبغي وليس كما أخترت وحصرت أهتمامي بعملي وفقط ؟ ونسيت إني أنسان يحتاج للحب .. للعلاقات السويه للصداقة التي لم أعرفها يوما في خضم تركيزي وعملي المستمر ، نظرت إلي الموج وأنا احاول مراجعة كافة حساباتي من جديد ، مرت عدة دقائق قبل أن انتبه إلي إختفاء رفيقي ، لم اشعر برحيله وأنا منشغل بالتفكير ، قمت إلي سيارتي ،سلكت طريق العوده ، حين وصلت أدركت أني لم أنتبه لأي شخص خارج السياره ، كان فكري منصب علي محاوله إحداث حالة من حالات التغير في طريقة حياتي
بعد عدة أشهر حين عدت إلي نفس المكان وكنت بصحبة زوجتي الحامل ، لم أجد أثر لرفيقي الكفيف ، ورغم تكرار مروري علي نفس المكان لعدة أشهر تاليه لم يصدف أن قابلته .. شعرت بعدها أنه ربما أختفي إلي الابد
تمت

بائع العرقسوس



حين لامست قدميه تراب الأسكندريه شعر بأن حلمه الذي رافق صباه قد بدأ يتحقق . كان مشدوها بكل ما حوله . لكن شغفة الأول كان أن يري البحرالذي سمع عنه مرارا ، ورأه في التلفاز لكن لم يكن قد سبق أن رأه أو صافحت نسماته وجهه ، وهو الجنوبي إبن إحدي قرى الصعيد ،، إتجه من فوره إلي الكورنيش بعدما سأل أحد المارة عن الطريق إليه ،كانت دقات قلبه تتلاحق وهو يحث الخطي . علامات الفرح المشوبة بلهفة كانت تعانق وجهه الذي غطته الدهشة وعيناه تلتقي بأموج البحر ، خطي خطوتين . خلع حذائه وحملة تحت أبطه وهو يسير صوب المياه ، أقترب أكثر فأكثر ..وأبتسامه أختلطت بدهشة اللقاء الأول .. مازالت تراوح علي شفتيه ؟، إنحنى يتلمس مياهه بحذر ، وبحركه لا شعورية رفع إصبعه إلي فمه .. إستعذب طعم الملح ،، جلس على الرمال قرب الشاطئ والسعادة تشمله ، لم تكن أحلام عاطف كبيرة ، والده الذي أحبه دوما كان يدعو له أن يديم الله عليه نعمة الرضا ، مكث عدة ساعات يحملق في الموج ،، شعر بالجوع تلفت حوله وجد أحد الصبية يحمل سبتا كبيرا وقد تراشقت علي جوانبه كعكات ، أقترب منه أخذ واحدة بعد أن ناوله ثمنها ، إبتسم والصبي يناوله ورقة بها بعض الملح ، جلس يتناول الكعكة في تلذذ ، حين إنتهي لمح على البعد شخصا يتجه نحوه حاملا إناء كبيرا علي بطنه وممسكا بيده طبقين معدنيين يحدث بهما جلبه منتظمة ومتكررة صائحا ( شفا وخميل – عرقسوس ) أشار إليه صب له كوبا كبيرا وهم بالجلوس ليستريح وهو يناوله أياه ..
تجاذبا أطراف الحديث بعدما عرف من لكنتة أنه صعيدي مثلة ، سأل عن أصله ومن أي العرابات هو ، إطمئن لحديثه ، وبشهامة أبناء الصعيد دعاه لبيته ، لكن عاطف أبى ، سأله أن يدله علي مكان يبيت ليلته فيه ، أصطحبه إلي بنسيون صغير قريب من بيته ، شكره وهو يودعه ، في صباح اليوم التالي خرج مبكرا وقد عزم أن يبحث عن عمل ، تلفت في كل زاوية باحثا عن مبني يشيد ، كان يسمع من كل من سبقه من أبناء عمومته أن العمل في مجال البناء متوافر وكثير ، لكنه لم يستدل علي أي مبني في محيطه ، كلت قدماه وشعر بالجوع يعضه من جديد ، لمح أحد المطاعم الشعبية ، توجه إليه من فوره ، كانت دهشته كبيرة وهو يجد نفس الرجل جالسا يتناول غدائه ، إبتسم له وهو يدعوه لطاولته ، جلس وقبل أن يهم بالكلام صاح طالبا له طبقا من الطعام ، باغته بسؤال عن العمل ، نظر إلي الأرض ، تبسم وصمت ، مرت اللحظات طويله وهو لا يعرف ماذا يقول ، حين إنتهي من طعامه هم بأن يدفع ، تبسم صاحبه ، وهو يهمس أنت ضيفي اليوم ،
حمل إنائه الكبير بحرفية أدهشت عاطف ، وسأله علي إستحياء هل هذا العمل مجز ، رد بإبتسامة عريضة الحمد لله ويكفي أنه رزق حلال ، سأله ومنذ متي وأنت تعمل ، تبسم وهو يرد منذ أن كنت في مثل عمرك ، أردف هل يروقك هذا العمل ، لم يرد ، أكمل صاحبه يمكنك أن تعمل معي حتي تجد عملا مناسبا ، إذا أحببت ، تركه ليفكر وذهب حاملا إنائة المعدني وأطباقة محدثا تلك الجلبة التي تلفت إليه أنظار الزبائن ، بات ليلته قرب الشاطئ مفكرا ، لقد بدأت نقوده التي حملها معه في رحلته تتناقص ، لم يعثر على عمل بعد وربما طالت المدة حتي يجد عملا، ظل يعمل فكره حتي أقتنع تماما بفكرة عمله مع صاحبه الجديد جابر بائع العرقسوس ، حين إلتقاه صباحا ، أخرج منديله الذي يربطه بحرص علي ما بقي معه من نقود ، وأخرج كل ما فيه وناوله لجابر ، طالبا منه أن يقبلة منة كدفعة من ثمن الأدوات التي سيوفرها له ليشاركة العمل ، حاول إعادة النقود إليه ، أصر علي موقفه وهو يقول أعلم أن هذا المال ليس كافيا لكني سأعتبر الباقي دين في رقبتي ، أسدده لك قريبا ،
لم تمر سوى أسابيع قليله كان قد اتقن خلالها فنون مهنته ، وتوطدت عرى صداقته بجابر صاحبه وشريكه، في جلسة هادئه لهما في إحدي المقاهي ، شعر جابر بألم في ظهره ، قام مستندا علي زراع عاطف ، أوصله إلى منزله الذي لم يكن بعيدا ، حاول عاطف الإستئذان لكن جابر أصر علي أن يدخل لتناول الشاي ، كاد أن يتعثر في خجله وهو يخطو خطواته الأولي في بيت صديقه ، ألقي بالسلام وهو ينظر للأرض ، جلس قبالة سرير جابر وهو يشد من عزيمته ويطمئنه بإنها شدة وستزول ، لكن جابر كان يبتسم ويهز رأسه وهو يعلم أن الشيخوخه بدأت تنشب أظافرها في جسده ،
عاوده الإرتباك والشعور بالخجل وبدريه زوجة جابر تقدم له الشاي ، تناوله وهو يتمتم شاكرا ،ونظره إلي الارض ، أما هي فقد ناولة زوجها الشاي ثم جلست ، هتف جابر قاطعا الصمت بدريه ست جدعه يا عاطف ، وهي معي علي الحلوة والمرة ، ورغم فرق السن بيننا ورغم إن الله لم يرزقنا بذرية ، إلا إنني لم أري منها إلا كل خير منذ تزوجتها ، هز عاطف رأسه وهو يؤمن علي كلامه دون أن يرفع نظره عن الأرض ، حين إنتهي من شرب الشاي هب واقفا وهو يستئذن في المغادره ، لم يقدر جابر علي القيام ، إصطحبته بدريه إلي الباب ، بعدما خرج من الباب إلتفت ليغلقه وقعت عينه عليها ، إمرأه في الثلاثين تتفجر أنوثه وجاذبيه ، علي وجهها مسحة حزن مشوبه برغبه ، إزدرد ريقه وهو يستدير مغادرا في سرعة ،
مر يومان شعر خلالهما بأنه يجب أن يطمئن علي جابر رغم خجله ، حين إنتهي من عمله أصطحب كيسا من الفاكهه وأنطلق إلي بيت جابر ، إستقبلته زوجته بإبتسامه وضاءه وهي في كامل زينتها ، حين دلف من الباب همست لقد انتظرناك أمس ، حث الخطي إلي حجرة جابر ، حاول القيام لتحيته لكنه أسرع إليه يسلم عليه ويحتضنه معتذرا عن عدم تمكنه من الحضور قبلا ، سأله ألن تذهب لطبيب ، تبسم جابر وهو يجيبه ولما ؟ أنا طبيب نفسي ، ألم الظهر هذا نتيجة حملي للعرقسوس ، وسيزول بعد بضعة أيام لا تقلق ، أردف عاطف أنني أحاول حل هذه المشكله ، إعتدل جابر قليلا وهو يصغي السمع متسائلا وكيف هذا ؟ أكمل عاطف لقد إتفقت مع سوكه النجار علي صنع عربة خشبيه صغيره تحمل عنا إناء العرقسوس وبها أيضا مكان لشراب الخروب ، كالتي رأيناها سويا ، وقلت إنها ستكلف الكثير ، لكني أحضرت الخشب لسوكه واتفقت معه و لن تكلفنا كثيرا ، تهلل وجه جابر بالفرح وهو يتمم شاكرا ، أما بدريه فكانت قد أعدت عشاء أحضرته وهي تخاطب زوجها أظن إن عاطف لن يرفض أن يتناول العشاء معنا ، وعبثا حاول عاطف التنصل من دعوتها ، جلس مرتبكا وهو يحاول أن يهرب من نظراتها الجريئه نحوه ، وبينه وبين نفسه كان يتمني سرعة شفاء زوجها حتي لا يضطر للحضور إلي البيت لاحقا ،
حين تماثل جابر للشفاء كانت إحدي العربتين قد أصبحت جاهزة ، ساعده عاطف علي تجهيزها ودفعها ليبدأ رحلته اليوميه في طلب الرزق ، إحتضنه جابر وهو يتمتم لو كان لي ولد ربما لم يقم بما قمت أنت به من أجلي ، أما عاطف فلم تمض سوي أيام قليله إلا وقد استلم العربه الثانيه وبدأ في عمله الذي أصبح يدر عليه الكثير ، وقد أشار عليه جابر أن يسكن شقة صغيره كانت قد خلت في نفس البيت الذي يقطنه ، تردد عاطف في البدايه لكن إصرار جابر حعله يوافق في النهاية ، حين أحضر أغراضه القليلة من البنسيون الذي كان يقيم فيه بغرفة مشتركة ، طلب منه جابر المفتاح لتقوم زوجته بتنظيف وترتيب الشقه ، حاول أن يرفض لكن جابر أصر ، شعر لأول مرة إنه قد وجد عائلة بعدما ودع عائلتة في الصعيد عند حضوره ،
عند عودته من عمله مساء وجد الطعام قد أعد ووضع علي طاولة صغيرة ، أكل بتلذذ وهو يشعر بأن أدميته التي أنتقصت من يوم حضورة وسكنه بغرفة مشتركه ، قد بدأت تعود إليه من جديد ،
مضت الأيام وهو يشعر بأن دعوات أمه له قد بدأت تتحقق ، وبدأ يدخر مالا ويفكر في إمتلاك أحد المحال لتأمين مستقبله وتحقيق حلم والدة في نجاحه ، ولم يلحظ خلال تفكيره في مواصلة تحقيق حلمه زيادة إهتمام بدريه به وبكل ما يخصه وعنايتها الفائقه بملابسه وطعامه ربما أكثر من إهتمامها بزوجها ، كان يكد طوال اليوم ولم يكن ليهدأ لحظه واحدة ، حتي أصاب العربة عطب إستلزم يومين لأصلاحها ، فقرر أن يستريح في البيت ، لكنه حين إستيقظ ألجمته الدهشه وهو يري بدريه في حجرته تبتسم في دلال وهي تنظر له ، لملم ملابسه وهو مرتبك لا يدري ما يقول ، لكنها وبلحظه واحدة كانت قد أقتربت من سريره ووضعت يدها فوق رأسه وهي تداعب شعره ، إنتفض واقفا وهو يحاول الإبتعاد عنها ، لكنها لاحقته وحصرته في ركن الغرفه ، إزدرد ريقه وهو يتمتم لايصح ، إن جابر أخي وصديقي ، زوجك ، كان شيطانها قد تملكها ، إقتربت منه بجسدها ، حاول الإفلات ، همست بصوت ملؤه الرغبه لقد أغلقت الباب ، فأين ستذهب ، شعر بضعفه للحظه ، لكنه سرعان ما أستجمع قواه ودفعها عنه بعيدا وقعت علي السرير وإنكشف القميص الذي كانت ترتديه عن جسد بض مثير ، أدار وجهه وإتجه إلي صنبور الماء في ركن الغرفه ووضع رأسه تحته ، ثم تناول كوب من الماء البارد ورشه عليها ، تفاجأت بتصرفه لكنه حين عاود رش الماء غضبت وصاحت متوعده إياه ، لم يلتفت إلي تهديداتها ولا سبابها له ومعايرتها له بأنه جلف وسيظل كما هو ، غادرت حجرته وغضبها لازال يتقافز من فمها وعينيها ، بعدما هدأت نفسه قليلا ، جلس واضعا رأسه بين يديه وأجهش بالبكاء ، قام توضأ وصلي ثم جلس يفكر مهموما وهو يحسب ماذا ستقوله بدريه لزوجها وكيف سيصدقه إن قال الحقيقه وإن صدقة فماذا ستكون النتيجه ،
لم يبرح مكانه حتي أطل الليل بستره ، سمع دقات علي الباب ، إرتجف قلبه وهو يقوم ليفتح الباب ، وجد جابر قبالته ، نظر إلي الأرض وهو يدعوه للدخول ، تنهد جابر وهو يهم بالدخول ، مرت لحظات صمت بين الرجلين ، كانت ثقيلة علي كل منهما ، شعر عاطف بأن كلماته تأبي الخروج لكنه لم يطق الصمت أكثر ، حين إنتهي من حديثه وهو يقسم علي صدق كل حرف نطق به ، هب جابر واقفا وفتح زراعيه ، أحتضنه ، وهو يري الصدق مختلطا بدموعه ، ألقي برأسه فوق كتفه وهو يجهش بالبكاء ، داري جابر دمعه كانت قد بدأت تطل من عينه وهو يدفعه بيده ويصيح البكاء لم يخلق للرجال ، إستدار ليخرج بعد أن ودعه ، حين أغلق الباب ، شعر براحة ، قام لصلاته ، ثم أسلم نفسه للنوم .
في الصباح خرج ليتسلم عربته ويسعي لرزقه ، ظل فكره منشغل طوال اليوم بما قد يكون حدث بين جابر وزوجتة ، في المساء كان لقائه بجابر ، إمارات الحزن التي إرتسمت علي وجه جابر أقلقته ، تنهد جابر وهو يدفن رأسه بين يديه ، أما عاطف فرغم صغر سنه وقلة خبرته في الحياة فقد كان يشعر بحيرة صديقه ، ويدرك الهم الذي أصابه ، وبل لقد ظن أنه لولا معرفته بجابر ربما لم يحدث ما حدث ، ولبقي بيت جابر هادئا، وقد أصر بعدها علي ترك سكنه والإنتقال إلي مكان أخر ، ساعده جابر علي الإنتقال لكنه أكد عليه إلا ينقطع عنه، ورغم أن مشاعر جابر كانت تشطره بين حبه لعاطف الذي يعتبره إبنا له ، وبين حبه لزوجته برغم ما فعلته ، ورغم تأكده من خيانتها بعد حديثه معها ، إلا إن العشرة التي كانت بينهما وصبرها ووقوفها إلي جانبه معه طوال سنوات ، كل هذا جعله عاجزا عن إتخاذ قرار بسرعة،
مضت الأيام وهي تباعد بين الرجلين ، وإن حاولا ألا تنفصم عري الصداقة التي جمعتهما ، حتي ذلك اليوم الذي تجمهر الناس أمام بيت جابر ، كان عاطف قد أنهي عملة وفي طريق عودته لمح من بعيد ألسنة اللهب تتصاعد في السماء ، هاله المشهد ، ترك العربة جانبا وأسرع يعدو ، حين وصل كانت النار قد أتت علي كامل البيت القديم ، سمع همهات ، لقد إنتحرت ، لا بل لقد اشعل فيها زوجها النار ، لكن أين جابر ؟ ربما أحترق معها في الداخل ، لقد سمعنا صوت إنفجار هائل ، ربما لما يكونا هناك ؟ كان الجميع يدلوا بدلوه دون سابق علم ، ولم يستطع عاطف فهم شيء ، حين أنفض الجمع ، لملم عاطف حاله وجر قدميه وقد أستولي عليه حزن عظيم وهو لا يري لجابر أثر ،
بعد عدة أشهر من الحادثة لم يكد عاطف يصدق عينية حين لمح جابر أمامه ، إندفع إليه يحتضنه ، وقد شملته السعادة ، كان جابر منهك و الشيب قد عض رأسه وأثار الشيخوخه طغت علي الوجه الحزين ، أجلسه بجواره وهو يحاول أن يسحب من فمه الأحرف ، لكن جابر كان يبتسم في ذهول ولا يرد ، تابع عاطف حديثه ، أين كنت ؟ وماذا حدث ؟ وتوقف للحظه قبل أن يكمل ، وهل أنت من فعلها كما يقولون ؟ أو إنها كانت حادثة ، هز جابر رأسه في لا مبالاة ، ولم يرد ، أدرك عاطف أن صديقه لا يريد أن يتحدث فيما وقع ، قام معه وهو يسنده بذراعه ، همس جابر لعاطف أريد أن أذهب للكورنيش ،
حين صافحت نسمات البحر وجههيهما ، أنحدرت دمعه من عين جابر ، حاول مدارتها ، أما عاطف فقد نظر إلي السماء مبتعدا بنظره عن دموع صديقه ، تناهي إلي سمعه صياح أحد الصبيه ،أشار إليه ، دس في يده بضعه قروش وهو يناوله كعكتين وورقه بها بعض الملح له ولصديقه .
تمت







السر الخفي



هاتفتني بصوت قلق ، أريد أن أراك اليوم ، توقفت أحرفي تعجبا وحيره ، لم تمهلني حددت الموعد والمكان وهي تلقي بالسلام مع إغلاق الخط ، أصابني بعض القلق ، فلم أعهدها هكذا وهي المبتسمة دوما ، هادئة الطباع ، حين وصلت لمحتها جالسة في ركن وقد إتشحت بغطاء لشعرها ونظارة شمسيه كبيره تغطي معظم وجهها ، تبسمت وأنا أقترب منها ، رمقتني بنظرة غاضبة ، زمت شفتيها قبل أن تبدأ في حديثها الذي شعرت بأن أحرفه تكاد تتقافز من بين شفتيها الغاضبتين ، كنت أستمع إلي كلماتها وقد أصابتني الدهشه والذهول ، حين أتمت حكايتها ، نظرت إلي في بلاهة وهي تسألني عن رأيى ، أعتلت وجهي حيرة وأنا أشعر بعجزي عن الرد . حين غادرتني كانت أفكاري مشوشة ، ودهشتي المختلطة بحيرة تلفني ، جلست أسترجع الحكايه وأنا أحاول أن أن أربط بين ما أعرفه عن زوجها صديق طفولتي ، وما حكته هي عنه الآن ،
هو شخصية هادئه عقلانية ، يتسم بصراحته المفرطة والتي توقعة أحيانا في الحرج ، لا يجامل لكنه ودود يبذل قصارى جهدة ليساعد صديق أو يعين محتاج ، برغم أنه نشأ في أسرة فقيرة إلا أنه أستطاع أن يبني ذاته ، أكمل تعليمة الجامعي ، وبمساعدة بسيطه من أخيه وخطيبته التي أصبحت فيما بعد زوجته ، أستطاع أن يبني صرحا ، أصبح مصنعه للملابس أحد أكبر المصانع في الوطن ، كان من القلائل الذين لم يفكروا في مغادرة الوطن لبناء مستقبلهم ، كان يردد من أراد أن يبني نفسه ويحقق النجاح فعزيمته هي الأهم وليس المكان ، كان في نظري مثالا يحتذى ، وكنت أحسده علي قوة عزيمته ، وعلي قدره الذي وضع في طريقة تلك المرأة ، كانت تعشقة ، وتؤمن به أيما أيمان ،
حين إنتهت دراستها للطب تزوجا ، كان قد بدأ في تنفيذ مشروعه منذ أشهر قليلة ، تركت حلمها الذي عاشته بأن تصبح طبيبه ، ووقفت بجوارة ، كانا يعملان سويا أكثر من خمسة عشر ساعة ، وكانت سعيدة بنجاحة ، تهاتفني كل فترة وصوتها يرقص فرحا لتبشرني بقفزة جديدة علي طريق نجاح زوجها وتعتذر عنة لأنه يشعر بتقصيرة في التواصل معي ، لم تفكر يوما في تضحيتها بعملها ومستقبلها كطبيبه من أجله ، كانت تعتبر أن هذا واجبها ، وإنه اقل ما تقدمه لحبيبها وشريك عمرها الذي أرتضته من بين كثيرين ، وخفق له قلبها وحدة ، كنت أستشعرها راهبه في محراب حبة ، حين كنت أحادثة كنت أستشعر حبة لها مع قدرمن الألتزام الذي عرف عنه وتميز به ، وكان هذا يسعدني ويطمئنني علي مستقبل علاقة أثنين من أقرب أصدقائي ،
لكل ماسبق كان حديثها معي بما حملة من مفاجأة ليس مما فعلة هو فقط وإنما من ردة فعلها هي أيضا والتي لم أكن أتوقعها علي الأطلاق ، حتي تأكيدها لي بألا أتحدث مع زوجتي أو زوجها بشأن ما روته لي كان محل دهشتي ، وكنت في حيرة من أمري وأنا أتساءل إذا كانت لاترغب في تدخلي فلما قصدتني لتحكي لي ولما أصرت علي إخباري بكل تلك التفاصيل ، قد أفهم تخوفها من أخباري لزوجتي وهي تعرف مدي غيرتها وإندفاعها ، أما زوجها فلما ؟، بقيت يومي أتساءل وأحلل الموقف برمته ، لكني لم أصل لشيء ، فكرت أن أتصل بصديقي وأستفسر منه ، لكني خشيت أن أتسبب في مشكلة بينهما ، وأخيرا أهتديت إلي فكرة لما لا أتصل بها ، ومن خلال حديثي معها ، يمكنني فهم الأمور بشكل أوضح
تنهدت حين سمعت صوتي ثم همست ما رأيك ؟ رددت بثقة أعتقد أنه مخطئ ولولا أنك طلبت مني عدم التحدث معه لكان لي موقف أخر ، ثم أردفت لكن أنت أخبريني ماذا ستفعلين؟ ، ذفرت في أسي وهي ترد لا شيء ، ثم صمتت قليلا وقد تملكني العجب وألجمتني المفاجأه ، ثم أردفت أنني أحبه وأعلم حق العلم أنه يعشقني ، وما فعله ليس إلا مجرد نزوه ، وأصدقك القول أنها ليست المرة الأولي ، فقد فعلها مرات ، ما ألمني هذه المره أنه فعلها مع أحدي صديقاتي ، وفي بيتي حين دعاها للغداء بعدما سافرت أنا لإنهاء أحدي الصفقات ، وجدتهما يضحكان وفي غاية السعادة ، المصيبة أنه لم يرتبك أو يخجل ، قام إلي وقبلني وهو يكمل حديثه مع صديقتي التي أرتبكت قليلا ، ثم غادرتنا ، أما هو فلم يتحدث في الموضوع ، بل بدا بسؤالي عن العمل ثم دعاني للخروج وتناول العشاء ،
قاطعتها قائلا ربما سلبيتك وعدم شعوره بغيرتك هي ما تدفعه لتكرار هذا ، صمتت برهه وقد لاقى كلامي صدى لديها ،لكنها ضحكت وهي تذكرني بغيرة زوجتي الجنونيه وما تسببه تلك الغيره من مشاكل جمه بيننا ، ثم أردفت أتظن ذلك ؟ قلت من خلال معرفتي به و بك أنا علي يقين من أن هذا هو السبب الوحيد ، ربما يريد أن يري غيرتك عليه ، تراقص صوتها فرحا وهي تشكرني وتودعني ،
مر شهر لم أسمع عنهما أي شيء ، وفجاءة وجدته يتصل بي ليدعوني وزوجتي إلي العشاء ، قبلت الدعوه شاكرا ، في المساء كنت على موعدي معهما ، لمحت السعادة تتقافز من أعينهما ،أما زوجتي فلم تكن تشعر براحه خاصة وهي تري أهتمام زوجة صديقي بنا ،حين قامت لإحضار الطعام ، مالت على أذني وهو تهمس ماذا بها اليوم ؟، لم أرد وأنا أدرى بزوجتي وغيرتها ، أومئت إليها أن تقوم لتساعدها وتسألها ، تبسمت وهي تغادرنا أنا وصديقي الذي فتر ثغره عن إبتسامه وهو يقول لقد تغيرت كثيرا زاد إهتمامها بي ، وأصبحت تغار علي حتي من زملائي أومئت برأسي مبتسما ، ولسان حالي ينعي حظه العاثر وما ينتظره ،
بعد أن أنتهينا من طعامنا ، قام لغسل يديه ، نظرت إلي نظرة ود وعرفان ، جعلت زوجتي تسأل بعصبيه ، ما بها اليوم ، نظراتها إليك مختلفة ، تصنعت الهدوء وأنا أعرف غيرة زوجتي ، ورسمت علي وجهي نظرة تعجب ولا مبالاة ، حين أجتمع شملنا من جديد أعتدلت زوجتي في جلستها وبدأت تتحدث ، لم تكن كعادتها ، فقد بدأت توجه حديثها إلي صديقي وتناقشه وتتصنع الضحك بين جمله وأخري ، داريت إبتسامتي وأنا الذي يحفظها عن ظهر قلب ، فقد أرادت أن ترد الصاع صاعين لزوجة صديقي وتشعل فيها نار الغيرة التي أحستها حين شعرت بنظراتها لي ، وهي لا تعلم سبب تلك النظرات ، لم تغضب زوجة صديقي ، أنتهت السهرة ،
في طريق عودتنا كانت هناك الكثير من الأسئله تنتظرني ، كنت أرد بإقتضاب جعلها تنفجر غاضبه ، لكني كنت أحاول أن أحفظ السر الذي أئتمنتني عليه زوجة صديقي ، تحملت غضبها وتلميحاتها ، وقد زاد هدوئي وردودي عليها من ثورتها ، ظلت عدة أيام وهي لاتحدثني ، لكني وجدتها وبدون مقدمات تطلب مني أن أقوم بدعوة صديقي وزوجته علي العشاء ، نظرت إليها في عجب لكني لم استطع أن أثنيها عن رأيها ، كنت أعرف إن وراء تلك الدعوه الكثير ، فكرت أن أتحدث مع زوجة صديقي من العمل لأطلب منها الحرص ، لكني تراجعت ، ربما راقني ما يمكن أن يحدث بينهما ، لكن وعلي عكس ما توقعت مرت الأمسيه علي أحسن ما يكون ، وقد راقني ذاك التقارب بين المرأتين ، فرغم طول مدة صداقتنا ، لم يحدث أن رأيتهم هكذا ، صديقي لم يعر الأمر إهتماما كبيرا ،
اما أنا فقد فضلت المراقبه عن بعد لأعرف السبب الحقيقي وراء هذا التقارب المفاجئ ، خاصة وأنا أرى عرى الموده قد توطدت بينهما علي مر الأيام ، وأصبحن يكثرن من الزيارات بينهن ، والتسوق سويا ، وقد بدأت أشعر بتغير زوجتي للأفضل ، فقد بدت أكثر هدوءا وأقل غيرة ، واختفت عصبيتها الزائدة ، وعلي الجانب الأخر بدا زوج صديقتي يحدثني عن زيادة إهتمام زوجته به ، وغيرتها عليه ، ورغم تحفظه وهدوءه الدائمين إلا إن السعاده بدت عليه ، وهو يحدثني عن التغيرات التي طرأت علي حياته مع زوجته ، وحرصها علي إسعاده ، وزيادة تعلقه بها وحبه لها ، بعدما تكاملت كل صفاتها التي كان يحلم بها، أما أنا فقد أنشغلت بعد فتره عن التفكير في أسباب التغيير ، وتفاصيل تلك النقله في العلاقه بينهما ، وبدأت أستمتع بما وصلت إليه العلاقه بيني وبين زوجتي ، وأعايش حالة العشق التي أعادتني إلي فترة الخطوبه ، أما ما حدث في تلك الليله وما دار بينهما من حديث فقد بقي لهذه اللحظه سرا ، يتهربن من البوح به كلما حاول أحدنا السؤال ، و يستبدلن الإجابه بضحكة أنثويه ماكره .
تمت


قهوة عصفور


حين سمع الحاج بركات بنية المعلم بكر عصفور هز رأسه في غضب ودق بعصاته علي الأرض عدة دقات وهو يترحم علي روح الحاج عصفور ،، أشار بيده لأحد الصبيه كي يحضر له بكر ،، لم تمض لحظات ألا وقد حضر بكر بصوته الجهوري وعبارته التي لاتفارقها البسمة ،، سلم علي سيد المعلمين كما كان يحلو له منادة الحاج بركات فرك يديه وهو ينظر إليه منصتا ، نظر إليه الحاج بركات وقد ظهر الغضب علي محياه ، همس بكر خير يا سيد المعلمين ، رد بركات وهو يحاول ان يكبت غضبه ومن أين سيأتي الخير ، هل صحيح ما سمعته من أنك ستحضر للقهوة بنت للعمل ، أومئ بكر برأسه وهو يهم بالدفاع عن قراره ، لم يمهله الحاج بركات ،أردف وهل الحاج عصفور رحمة الله عليه كان سيرضي بهذا ، أطرق بكر للأرض ولم رد ،
كان قد وقر في عقل بكر أنه لكي تتحول قهوة عصفور إلي كافتريا سياحيه تدر عليه الكثير فلابد من إحداث تغيرات جذريه كان أبوه يعارضه في تنفيذها ، وكانت أولي تلك الخطوات بعد أضافة أنشطه أخري غير المشروبات العاديه والشيشه ، كالحلويات والمثلجات والعصائر الطازجه ، هو أن يضيف روح للمكان وشكل انيق ، وقد رأي ان هذا لن يتأتي الا بتعيين فتيات للعمل في الأقسام الجديده وتقديم الحلويات والأيس كريم ، لكنه وبعد حديثه مع الحاج بركات تريث فهو لا يعلم كيف ستسير الامور وهو بعد أن أرتاح للفكره لم يجد من توافق علي العمل في الفتره المسائيه التي تمتد إلي الفجر فأكتفي بياسمين تلك الفتاه الهادئه والتي شعر بجديتها من أول يوم تقدمت فيه للعمل .
لم تكن ياسمين تسمح لأحد بتجاوز حدود كانت قد وضعهتا قبل أن تستلم عملها ، سواء من زبائن القهوة التي تحولت علي يد بكر إلي كافتريا تقدم الأيس كريم ، والحلويات الأفرنجيه ، وأطباق الحلوي الشرقيه بجانب الشيشه والشاي والقهوه والسحلب ، او حتي من زملائها وعلي رأسهم بكر الذي كان كثيرا ما يطيل النظر إليها وهو يقارن بينها وبين أم عياله ، لكنها سرعان ما كانت تسرع حامله إليه قهوته وهي تنظر إليه نظره كانت تجعله يرتبك وهو يداري خجله وكأنه تلميذ ضبط وهو يغش ، وكانت حركة يده التي تمتد لملابسه لهندمتها دون داع تشي بمكنون أفكاره ، فيقوم من فوره وهو يصيح بصوته الجهوري مناديا علي أحد صبيان القهوه ليوبخه بلا سبب ،
كانت أشهر الصيف علي الأبواب ، وهي أشهر تكتظ فيها القهوة بمرتاديها حتي ساعات الصباح الأولي ، ويكثر فيها الرزق والعمل ، ولعلم بكر بأن يا سمين لن توافق علي العمل لوقت متأخر فقد وافق علي تعيين سعد أبن اخت الحاج بركات كبير المنطقه في الكافتريا بمجرد أن إنتهي من أمتحانات الكليه ، ليأخذ مكان ياسمين في العمل المسائي ، وسرعان ما أثبت سعد جدارته بالعمل وجديته ، فكسب ثقة المعلم بكر وإحترام زملائه وقلب ياسمين التي كانت تكتشف كل يوم جانب من جوانب الجمال والرجوله التي يتمتع بها ، لكنها كانت متحفظه في أبداء مشاعرها حريصة في تعاملها معه ، هو أيضا لفت أنتباهه جديتها وأخلاقها قبل ان يجذبه جمالها الهادئ ، لكنه تريث في مصارحتها بمشاعره .
كانت سعادة بكر لا توصف وهو يري حلمه ينمو وإيردات الكافتريا تتضاعف والزبائن يتزايدون بعدما أشتهر المكان بما كان يقدمه من حلويات أصبحت تعد في ملحق خلف القهوه ويشرف عليها بكر بنفسه ، أو ياسمين في حال عدم تواجده ، لم يكن لطموح بكر حد ، كان يحلم بإفتتاح أفرع للكفتريا ، كانت أشهر الصيف قد قاربت علي الأنتهاء ، فأستأذن سعد منه أن يجد بديلا له لأنه سيعود لكليته فهو السنه النهائيه ، لمح سعد نظرة حزن بعين ياسمين ، فقررأن يتأكد من مشاعرها قبل أن يرحل عن المكان ، تنحي بها جانبا وقبل أن يتفوه بكلمه أخبرته نظراتها عن قدر الحب الذي تكنه له ، تعانقت نظراتهما للحظات ، قبل أن تهمس سأنتظرك ، مد يده إليها ليودعها ، أطبق علي يديها بيديه ، سحبتها في خجل وهي تهم بالعوده لمكانها في العمل ، تراقصت بعينيها دموع الفرح..
لم تحمل الأيام التاليه جديدا سوي إن الأقبال قد قل بأنتهاء موسم الصيف ، مما حدا ببكر إلي عدم الإستعانه بأحد مكان سعد ، اما سعد فقد واظب علي الحضور أسبوعيا لكن هذه المره كضيف يجالس بكر ويختلس من آن لأخر النظر إلي ياسمين ، في غفلة من بكر، حاول مره أن يدعوها للخروج معه ، لكن نظرة عتاب واحده منها جعلته لا يفكر في تكرار طلبه ، أما بكر فقد كان ذهنه مشغولا بقرار كان قد تراجع عنه عدة مرات ، لكنه أستجمع شجاعته في ليلة هادئه لم يكن هناك الكثير من الزبائن وانتحي في أحد الاركان علي طاوله منفرده بعدما أرسل في طلب ياسمين ، حين حضرت أشار لها أن تجلس ، حين أنتهي من كلامه ، كانت مرتبكه وهي لا تدري ماذا تقول له ، لم تتصور يوما أنه سيطلب يدها وهي التي تعتبره والدا لها لفارق السن بينهما ، ولعلمها بأنه متزوج ، سعل مرتين قبل ينقذها بقوله ، فكري انا لا أريد ردك الأن ، لكن لتعلمي أنني ساجعلك أسعد أنسانه في الوجود ، لملمت خجلها وحيرتها و وقامت صامته ،
مرت ثلاثة أيام لم تستطع خلالها أن تحضر للعمل ، لكن تلك الأيام كانت كفيله بأيصال ردها إلي بكر ، فأرسل لها كي تحضر ، لم يناقشها في الموضوع بل تبسم باسي وهو يسألها أن كانت تود الأستمرار في عملها أم إنها قد وجدت عملا أخر ، لم ترد فقام وربت علي كتفها وهو يهمس أعملي بجد كما كنت دوما وتناسي ما حدث ، نظرت إلي الأرض ولم تنطق ، أصبح بكر لا يحضر كثيرا كما كان ، وتحملت ياسمين مسؤلية الكافتريا كاملة ، وأصبحت تتابع كل شيء بنفسها ، دون كلل أو تذمر ، أما اليوم الذي كان يحضر فيه سعد فقد كان عيدا وكان النشاط يدب في أوصالها ، فتتنقل من مكان لأخر بخفة وكأنها فراشة ، كل من بالكافتريا كان سعيدا بها ويساندها ، ولم يكن أحد ليرفض لها طلبا ، حين طلبت أن تجرب صنع صنف جديد من الحلويات ، أفسح الجميع لها المكان وقفت تعمل بسعاده ، وهي تجهل ما يخفيه لها القدر ، شبت النار في المكان ، أسرع الكل بالخروج ، تعثرت ووقعت طالت النار وجهها .
حين أفاقت في المستشفي لمحت أمها بجوارها ، أغرورقت عيناها بالدموع وهي تستشعر الألم حين مدت يدها لوجهها المغطي بكامله ،تحركت عيناها ببطء ، لمحت سعد وبكر جالسين ، كان الحزن يغطي قسمات وجهيهما ، ربتت امها علي يدها وهي تتمتم بالدعاء ، اما هي فقد كانت عاجزه عن الكلام ، والضمادات التي لم تظهر من الوجه سوي العينين ، حين قام ودعها الأثنان وخرجا ، انصتت لصوت دعاء أمها قبل أن تغيب عن الوعي .
قبل إكتمال الشهر كانت قد تعافت ، الطبيب أخبرها بحاجتها لعملية تجميل ، بعد أن تشوه جانب وجهها ، أعتراها الحزن وهي تعلم أنها ليست قادره علي تكاليف العمليه وهي اليتيمه التي ترعي أمها ، وبالكاد يكفيهم الراتب الذي كانت تتقاضاه ، أما سعد فقد شعر بالعجز وهو يري حاجتها ولا يقدر علي مساعدتها ، كانت يا سمين تستشعر أنها فقدت وظيفتها فكيف ستواصل عملها بهذا الوجه ، وهذا كان يزيد من حزنها ، لكنها فوجئت بالطبيب يطلب منها الأستعداد لعمل العمليه ، لم تكد تصدق فأجهشت بالبكاء ، قرأ في وجهها السؤال ، تبسم الطبيب وهو يقول ليس مهما من دفع المهم أن تعودي لنا بالسلامه ، حين لمح أصرارها قال في إقتضاب بكر لقد تكفل بكل شيء ، دمعت عيناها وقد أطرقت للأرض ،
مرت الأيام ثقيله وهي تنتظر عودة وجهها لما كان عليه ، تعددت العمليات وطالت ليال الألم والإنتظار ، لم يكن يخففها سوي إطلالة سعد ، والتي كانت تحدث علي اوقات متباعده برره بأنشغاله بالأمتحانات، لكن ما كانت تعجب منه ولم تجرؤ أن تسأل سعد عنه ، هو إنقطاع بكر عن زيارتها ، كانت مشاعرها ممزقه بين حبها لسعد ومشاعر الشفقه و العرفان لبكر ، عمق هذا الشعور إبتعاد سعد قليلا وإنشغاله عنها ، لكن الأمل في شفائها وعودة وجهها كما كان جعلها تصبر وتتحمل ، وكم كانت دهشتها حين كشف الطبيب عن وجهها للمره الأخيره بعد أن أنهي كل عمله ، لقد أصبحت أجمل مما كانت قبل تعرضها للحادث ، بكت وهي تبتهل بالدعاء شكرا لله هي و أمها التي كاد قلبها ان يطير فرحا بما صارت عليه ابنتها ، وقبل أن تبدأ في حزم حقيبتها لترحل بعد أن امضت شهورا في المستشفي ، وجدت بكر أمامها مصطحبا شيخ وقور ظنته أبيه أو عمه ، اقتربت منه وهي لا تدري بأي كلمات تستطيع أن تشكره ، لكنه اشار إلي الشيخ وهو يهمس اشكري عمك الحاج بركات ، هو من قام بدفع كل التكاليف ، هوت علي يده لتقبلها ، متدت يده برفق لترفع وجهها وأبتسم وهو يقول ، هل لي أن أطلب منك شيئا ، ردت بسرعه بل أنت تأمر ياحاج ، قال هل تقبلي بالزواج من ابن أختي سعد ، احمر وجهها خجلا وهي تداري فرحة شملت كل جسدها ونظرت إلي الارض ، رفع بركات يده وهو يصيح أذن لنقرأ الفاتحه .
كان سعد منشغلا بإمتحاناته ، لكنه كان يعلم بترتيبات خاله بركات الذي وعده أن يحقق له رغبته شريطه أن يهتم هو بمستقبله ، بعد أسبوع كان لقاء الجميع في بيت ياسمين ، وبعد إعلان الخطبه رسميا وقف بكر صائحا وهو يقول لن أوافق علي هذا الزواج حتي تعدني يا سعد أن تكون حفلة الزواج في القهوه عندي ، نظر سعد لبركات الذي أومئ موافقا ، فقام سعد إلي بكر ليحتضنه وهو يردد وهل هناك أجمل من قهوة عصفور لكي أبدأ منها حياتي
تمت

ذات صباح


وقفت تنظر من نافذة الحافله التي تقلها يوميا في طريقها للمدرسه وقد طال وقوفهم ، لمحت علي البعد وجوههم البغيضه المكفهره وهم يدفعون بسائق الحافلة أمامهم ويركلونه وهو يحاول جاهدا أن يتقي ضرباتهم بكلتا يديه وهرولته بقدميه التي لا تكادان تحملانه ، سقطت علي خدها دمعه وهي تتابع أهات الشيخ سائق الحافله وهو يقترب من الباب متمتما بعبارت الإنصياع وورائه ثلاثه جنود مدججين بالسلاح ينعتونه بأفظع الشتائم التي ينطقونها بعربيه غير واضحه وهم يتغامزون ويتضاحكون ، حين وثب إلي الحافله وقف أحدهم علي الباب وهو يدق دقات عنيفه طالبا منه سرعة الانصراف فالمعبر اليوم مغلقا.
لم تكن المرة الأولي التي يعودون فيها أدراجهم لكن اليوم كان مختلفا لسناء فقد ظهرت نتيجة الفصل الدراسي الأول وكانت الأولي وسيتم تكريمها اليوم مع المتفوقين ، كانت تحلم بهذا التكريم وتحاول ألا تنسي ما وعدتهم به مدرسة الفصل من جوائز ، طار قلبها فرحا حين عرفت أن الدمية التي حلمت بها أصبحت من نصيبها ، لكن هاهم يقفون حائلا بينها وبين تحقيق حلمها الذي أنتظرته طويلا ، كتمت صوت بكائها وإن لم تستطع منع دمعها من شق طريقة عبر وجنتيها طوال طريق العودة .
رغم مرور عدة سنوات إلا أن سناء لم تكن تفارق دميتها حتي وهي تكاد تعبر بوابة الأنوثه الكامله بسنواتها السبعة عشر ، في معظم الليالي كانت تصعد علي سطح البيت مع دميتها وتحادثها تحت ضوء القمر تشتكي لها ، وتحكي لها عن رفيقاتها في الدراسة، عن همومها وأحلامها ،وعن رفيقتها التي أستشهدت بنيرانهم أمام عينيها، ذكرياتها بحلوها ومرها ، وكثيرا ما كانت تغلبها دموعها وهي تتذكر أخيها الشهيد الذي فارقهم وهو يشارك في خلايا المقاومة ، وتتذكر أن أمها يومها وزعت الحلوى علي أبناء الحي ، ودموعها تخالط ضحكاتها المكلومه ، من يومها أصبحت وحيدة ، بعدما عصر الحزن قلب أمها فأنزوت مع دموعها ،تعمل في البيوت لتستطيع أن تعيل نفسها وإبنتها بعدما فقدت الزوج والأبن .
ذات صباح وضفائرها تتراقص فوق ظهرها في طريقها إلي الجامعة لمحته ، طويل القامة حاد الملامح ، ورغم ذلك تشعر أنه ودود ، إبتسم حين تقابلت أعينهما ، كانت إبتسامته علي جمالها غارقة في حزن قفز عبر سياج قلبها الذي عايش الحزن سنينا ،نظرت إلي الارض في خجل بعدما شعرت بتورد وجنتيها ، عبرته وعينيها مغروسة في الأرض ، وإن كانت تتمني لو تستطيع أن تعاود الألتفات لتعانق عينيها أبتسامته ، أمضت يومها ساهمه لا تستطيع صورته أن تفارق مخيلتها ، أملت أن يبتسم الحظ لها من جديد وتراه في الغد .
بقت على أملها في لقائه أياما حتي بدأ اليأس يتسرب إليها ، في طريق عودتها اليومي ، لفت أنتباهها جمهرة من الشباب يحتفلون ، حين أقتربت وجدته بينهم يتلقي التهاني ، إلتفت إليها فرحا لكنه لم يقل شيئا ، فهمت من تناثر بعض الكلمات أنه قد أفرج عنه اليوم بعدما أحتجزتة قوات الإحتلال عدة أيام ، حين وصلت لحجرتها كان قلبها يطير فرحا ألقت بكتبها وأخذت ترقص وتدور في حلقات ، أغمضت عينيها وحلقت كفراشة ، لم تشعر بسعادة مثلما شعرت في ذاك اليوم.
صباح اليوم التالي كانت على موعد مع الفرح ، أقترب منها في أدب مستأذنا أن يصطحبها إلي الجامعة ، لم ترد ، لكن أبتسامة الخجل التي أرتسمت علي شفتيها وهي تنظر إلي الأرض كانت كافية ليسير بجوارها مفكرا ، قطع الصمت بسؤالها عن دراستها ، تطايرت الأحرف من بين شفتيها وهي ترد بإقتضاب ، شعر بخفقان قلبها وأرتباكها ، صمت قليلا قبل أن يبدأ في متابعة حديثة هذه المرة عن نفسة ، كانت تستمع إليه بكليتها تحولت كلها إلي أذن شغفة تود أن تعرف عنه كل شيء ، أفاض في حديثة عن نفسة وأسرته التي يعولها كونه الأبن الأكبر ، وعن ظروفة وعدم تمكنه من إستكمال دراستة ، ظل يتحدث وهي منصتة ، شجعها حديثة علي أن تنظر إلية ، تلاقت أعينهما ، شعرت بذات القشعريره في جسدها حين رأته للمرة الأولي ، إبتسم وهو يكمل حديثة إليها واصفا إياها بأنها أجمل من وقعت عليه عيناة طوال عمرة ، أحمرت وجنتاها أكثر ، وشعرت بأن قلبها سيقفز من مكانة ، وعاودت النظر إلي الأرض ، كانا قد وصلا ودعتة بإبتسامة وهرولت مسرعة .
علي مدار الأيام كانت قصة الحب التي بدأت بنظرة قد أكتمل نسيجها ، ولم يعد أحدهما يتصور حياته دون الأخر ، لكنها كانت تستشعر أن هناك شيئا دوما يشغلة ، سألته مرة لكنه لم يجب ، وأحترمت هي خصوصيتة ، فاجئها بسؤال عن ردة فعلها إذا حدث له مكروه ، أسرعت تضع يدها علي فمة قبل أن يكمل ، لثم يدها وهو يبتسم ، سحبتها بسرعة وهي تحاول أن تظهر له غاضبها ، أستفسرت عن سبب سؤالة ، تردد قبل أن يبوح لها ، يعلم أنه لا يستطيع أن يخفي عليها فهي أصبحت روحة التي لا يستطيع أن يخفي عليها حتى عدد أنفاسة ، تجهم وجهها حين أخبرها بأنه عضو في جماعة لمناهضة الأحتلال ، نظر إليها في تعجب شعرت بنظراتة تلومها وهو يعرف قصة أخيها ورغبتها دوما في أن تثأر له ، تهدج صوتها وهي تطلب منه أن تكون برفتة ، اذا ماتا ماتا سويا وإذا كتبت لهم السلامة تكون قد أشفت غليلها ممن قتلوا أخاها ، رفض طلبها متعللا بسرية المجموعة وعدم رغبتهم في ضم عناصر جدد خاصة إذا كانت عناصر نسائية ، غضبت وطلبت أن يوصلها إلي البيت.
مرت عدة أيام لم تخرج من بيتها ، شعر بقلق شديد ، وشعرت هي بأنها لا تستطيع أن تصمد أكثر علي عدم رؤيتة ، لكنها قاومت ، دق الباب أسرعت تفتح كان هو ومعه أمة أرتبكت ، لم تعرف ماذا تقول ، نادت علي أمها ، بعد تعارف سريع أختصر المسافات بطلبها للزواج ، شعرت بسعادة تغمرها ، قامت تحث الخطى خجلا وهي تنظر للأرض ، باركت أمها هذه الخطبة وقد لمحت حب أبنتها المتمكن من قلب الشاب الذي يجلس أمامها ، قبل أن يغادر هو وأمه كانا قد أتفقا علي كل ما يخص حفل العرس وحددا موعده،مع أول أيام العيد بعد أن ينتهي شهر رمضان، نادتها أمها كي تودعهما ، شعر ببرودة يدها التي سحبتها من بين يديه بسرعة وهي تنظر بطرف عينها إلي أمها ،
في صباح ذاك اليوم كانت الشمس تشع برقة وكأنها هي الأخري تشاركهم فرحة قدوم رمضان ، لم يكن يكدر صفو الحياة سوي أزدياد عدد جنود الأحتلال ، كعادتهم كلما أطل الشهر الكريم ، كانت تشعر بسعادة وهي تعلم أنه سيأتي ليتناول الفطور معهم بعدما غاب عنها أيام بسبب العمل خارج القدس ، وكانت تعد العدة لترافقه للصلاة في المسجد الأقصي كما كانت عادتها قبل ان يستشهد أخيها ، حين أقترب موعد الأفطار ، رقص قلبها فرحا وهي تسمع دقات الباب ، تبدلت ملامح وجهها وهي تري أمه واقفة بالباب ، أدخلتها والقلق يكاد يفترس قسماتها ، همست العجوز باكيه لقد قبضوا عليه ، لكنها ضمتها وهي تطمئنها بأنه سيعود كما هي عادتة ، وحاولت تتصنع أبتسامة وهي تقول هو فقط يريد أن يعرف قدر حبه في قلوبنا ، رفع الطعام كما وضع لم يمسه أحد ، حين غادرتهم العجوز أغلقت علي نفسها باب حجرتها، أحتضنت دميتها وبكت حتي سمعت الآذان هدأت نفسها قليلا كفكفت دمعها توضأت وحثت خطاها إلي المسجد الأقصى الذي لم يكن بعيدا من بيتها ،
في صباح اليوم التالي شعرت ببعض الإعياء من طول صلاتها وكثرة دعائها في ليلتها السابقة ، كانت قد أعتادت على البقاء في البيت ، لكثرة إغلاق الجامعه بسبب المظاهرات ضد قوات الإحتلال ، أطلت من نافذة البيت ، بعد ما سمعت صوت أطلاق أعيره ناريه ، صدمها مشهد الدم وسقوط القتلى ، رغم أعتيادها على تلك المواجهات ، إلا إنها لم تكن قريبة لهذا الحد ، تفجر غضبها ألما ودموعا ، شعرت إنها مكبلة ، أرتمت علي سريرها وهي تصرخ بلا وعى ، أتت أمها مسرعة ، أحتضنتها وهي تربت علي ظهرها ، أحتوتهما ظلمة المهانة ومرارة الظلم ، تماسكت قليلا وشريط الحزن يمر أمامها بكل قسوته ، كفكفت دمعها وهي تهمس لأمها ما قيمة حياتنا يا أمي .
قبل إنقضاء الشهر بعدة أيام وكعادة الصهاينة أفرج عن بعض المعتقلين ، وجدته يدق بابهم منهكا ، أحتضنته بعينيها ، أبتسم مستأذنا كي يطمئن أمه ، إلتفت إليها طالبا أن تعد له الإفطار بيديها ، مكثت باق اليوم تحاول أن تعد كل ماوقع تحت يديها من طعام ، لقدعاد ، وعادت معه رغبتها في العيش بعد أن كانت قد خاصمت الحياة ، حين جلسوا لتناول الأفطار مكثت تنظر إليه والفرحة تتراقص بعينيها ، قسوة السجن لم تنل من شموخه ، تعشق تلك النظرة المتحديه في عينيه ، لم يتحادثا طويلا لكن أعينهما قالت الكثير ، أستأذن مغادرا هو وأمه ، كان بحاجة لأن يستريح ،
مضت الأيام المتبقية من الشهر الكريم هادئة ، وكأن الحياة أرادت أن تعوضهما بعضا من قسوتها ، أقترب العيد وأقترب معه يوم زفافهما ، شظف العيش كان يجبرهما وغيرهما علي الأكتفاء بأبسط مظاهر الإحتفال ، وأقل تجهيزات العرس ، كان يحاول أن يجتهد في عمله ليوفر لعروسة حياة كريمة ولو في أيام زواجهما الأولى ، بالكاد كان يلحق بموعد الأفطار ، ثم يصطحبها لأداء الصلاة القيام بالمسجد الأقصى ، وكانت لا تنسي كل ليلة أن تذكرة أن يجتهد في الدعاء كي يجمعهما الله برحمتة وفضلة في بيت الزوجية ، كان ينظر إليها بحب ويبتسم وهو يؤكد لها أن هذا دعائة دوما ،
في ليلة ختم القرآن عمت المظاهرات محيط الأقصى فقد منع جنود الأحتلال الصلاة في المسجد وأحاطوه بمدرعاتهم ودباباتهم حاولت الجموع أختراق الحواجز ، وبدأ الجنود بإطلاق الرصاص ، تفرقت الجموع ، عادت معه كسيرة النفس دموعها تبلل وجنتيها ، نظر إليها بأسى وهو يتمتم سيدفعون الثمن ، حين دخلت حجرتها أحتضنت دميتها وجلست تفكر حتي غفت على سريرها.
في الصباح وجدته يدق الباب ، أتي ليودعها ويخبرها بأنه سيعود قبل الزفاف بيوم فلديه عمل خارج البلدة ، ودعته بأبتسامة ودعاء ، أمضت يومها وهاجسها ألا تستطيع الصلاة في المسجد اليوم أيضا ، بعد أن أفطرت ودعت أمها وأتجهت لتصطحب أحدي جارتها ، تكرر المشهد لكن المظاهرت كانت أعنف ، والأشتباكات بين الجنود والمتظاهرين كانت مباشرة ، تساقط القتلي من الطرفين وتناثرت الأسلحة ، وجدت أمامها بندقية آلية سقطت من أحد الجنود الذى فر هلعا ، إلتقطتها وهي تتلفت ، أخفتها بين طيات ملابسها وأفلت عائدة وهي ترتجف ، حين وصلت لحجرتها جلست تتفحصها ، كانت تعرف القليل عن الأسلحة ، علمها أخوها قبل أستشهادة ، كان يداعبها قائلا ربما بعد أن نحرر القدس سنحتاج إليكن في الجيش ، فكرت أن تهدي حبيبها تلك البندقية سيفرح بها كثيرا ، أخفتها تحت سريرها بجوار دميتها ،
في صباح اليوم التالي داهم جنود الأحتلال المنازل وقبضوا علي كل رجل وشاب وفتشوا البيوت ، حين دخلوا عليهن البيت صاحت أمها فيهم ولعنتهم لطمها كبيرهم ، هرولت إلي أمها تمسح عن وجهها الدم ، نظر إليهن بإذدراء وخرج وهو يتمتم ، حمدت الله أنهم لم يفتشوا البيت بعدما تأكدوا من خلوة من الرجال، همست أمها لماذا لم تتركيهم يقتلونني ، ما قيمة حياة الذل تلك التي نحاياها ، قبلت رأس أمها ونظرة تحد أرتسمت بعينيها ، كانت قد عزمت على شيء كتمته في صدرها ، باتت ليلتها مستيقظة لم يغمض لها جفن ، بعد أن تناولت سحورها وصلت ، أتجهت إلي غرفتها ، سحبت البندقية بهدوء من تحت سريرها، تفحصتها مليا ، إلتقطت دميتها ضمتها لصدرها ، أنتظرت حتي بزوغ أول ضياء للصبح ، تأكدت أن أمها نائمة، تسللت وهي تخفي تحت ملابسها البندقيه ، وبيدها الأخري أمسكت بدميتها ،
حين بدأت رحلتها التي كانت تشعر أنها الاخيرة ،ترائى لها طيف حبيبها مبتسما ، سرت في جسدها رعشة ، كانت الشوارع هادئة تكاد تكون خالية من المارة ، فاليوم أخر أيام شهر رمضان وكثيرين لم يذهبوا إلي أعمالهم ، حين إقتربت من محيط المسجد ، لاح لها تجمع لثلة من جنودهم بوجوههم البغيضة ، كانوا متحلقين يتناولون فطورهم ، أقتربت في خفة ، كان قلبها يدق بعنف ، وأختلاط أصوات القتلي بالأمس مع صوت دفوف العرس التي حلمت بها دوما يطن برأسها ، سحبت البندقيه من بين طيات ملابسها ، بدأت في أطلاق الرصاص ، هلع الجنود بعد أن سقط منهم ثلاث قتلي ، هرولوا وهو يطلقون نيران اسلحتهم في كل إتجاه ، كانت تلاحقهم ببندقيتها ، تمكن أحدهم من إصابتها سقطت علي الأرض ، لكنها كانت لا تزال تطلق نيران بندقيتهاصكانت ، عاجلها أخر بوابل من الرصاص ، إقترب منها الجنود بحذر ، كانت بلا حراك ودميتها بجوارها غارقة في الدم وأبتسامة وضاءة تنير وجهها .

تمت

قمر


لم يدر بخلدي وأنا أضمها إلى صدري وأحيطها بذراعي قبل أن أطبع على جبينها قبلة ، أنها المرة الأخيرة التي ستتلاقى أرواحنا وأجسادنا معا ...هبطت الدرج بخفة ، حين صدمني هواء الطريق التفت بعفوية ناظرا إلى الشرفة في الاعلى , لمحتها تمسح دمعتها بيدها وهي تلوح بالأخرى , تبسمت وأنا أحاول التماسك وتابعت طريقي , لم يكن يفصلني عن موعد الطائرة سوى سوىعات قليلة , فكرت أن أسير قليلا ، كانت الشوارع مزدانة ، وأصحاب محلات الحلوي منتشرين في كل زاوية ، أدركت أن أحدى المناسبات الدينية على الأبواب , لمحت عروسة من الحلوي راقني منظرها شعرت بأنها تكاد تكون نسخة عنها في رقتها , سارعت بشرائها لا أدري لما ، بعدما سرت خطوات نظرت لما بين يداي وتبسمت , أهو الطفل بداخلي ، أم أنني أريد ألا افقد مظاهر علاقتي بعادات أبناء وطني ، مر طيفها أمامي فكرت أن أعود لأهديها تلك العروسة ، ترددت قليلا ، ، كان فكري منشغلا ، نظرت إلى ساعتي .. هممت بعبور الطريق ، وجدتني أطير في الهواء بعدما صدمتني سياره انشقت الأرض عنها في لحظه .. احتبس صوتي , شدة الألم أفقدتني الوعي للحظة , شعرت بجسدي يقترب من الأرض ,أغمضت عينيَّ فتراءى شريط حياتي كله أمامي .
أحرفي التي تناثرت عبر أوراقي فضحت أمري , على هامش كتاب السنه الخامسه كانت أولي كلماتي , موسيقي حرفي البسيط لفت أنتباه مدرس الفصل ، تبسم في هدوء بعدما أجبته أنني صاحب تلك الاحرف ، ربت على كتفي وهو يحمل الكتاب ليريه لزميلته مدرسة التاريخ ، كان فخورا بتلميذه , شجعتني أبتسامته وأهتمامه بكل ما أكتب , توقف نزف قلمي بعدما غادرت المدرسه ، أنغمست في عنف طلاب المدرسه الاعداديه ، كنا نحاول أن نثبت اننا رجال ، أبتعدت عني أحرفي ، ولم تطرق بابي إلا بعد شهر من دخولي المرحلة الثانوية ، كنا في طريقنا إلى المدرسه حين لمحتها ، وقفت متأنقة بزيها المميز الذي يعلن عن أنتمائها لأحدى مدارس اللغات ، لم أعد إلى المنزل ذاك إلىوم إلا وأحرفي تتراقص من جديد على ورقة زهرية أقترضتها من زميل ، ظللت أمر مبتسما أمامها لمدة شهر كانت لا تعيرني أهتمام في البداية ، ثم أصبحت تبتسم وهي تدير وجهها متصنعه عدم أكتراثها بنظراتي ، حلت إجازة الصيف ثقيلة وكنت أعلم أني سأحرم رؤيتها ،
حين أعلن عن تكوين جماعة أدبيه في الصف الثاني ، كنت قد شعرت بتمرد قلمي ، كنت أكتب في كل شئ وعن أي شئ كنت أكتب في هوامش كتبي والصفحات الاخيره من كراسات الفصل ، كنت أكتب خلف تذاكر الترام والقطار ، شعرت بأني أصبحت من كبار الكتاب , جمعت كل قصاصتي ، صنفتها وذهبت إلى أحدى المطابع الشعبيه , كان لدي بعض المال ، وافق على طباعة الكتيب ، حين تسلمت أولي النسخ وشرعت في توزيعه ، أصابتني خيبة الأمل ، من أنا وما قيمة ما أكتب , صدمت في قلمي غير المعروف وغير المرغوب ، حتي من أهديتهم نسخي لم يكلفوا أنفسهم بتصفحها ، ذبل القلم وشعرت بإنكسار الحرف بداخلي
النقله الهائلة التي واكبت دخولي الجامعه أيقظت في نفسي هاجس الكتابة من جديد ، بدأت على أستحياء ، كنت أراقب وأكتب واصفا العلاقات من حولي ، كنت قليل الكلام خجولا , متوجسا من الدخول في أي علاقة كمعظم زملائي الذي لم تمض الاشهر الثلاثةالاولي إلا وكان كل منهم قد تعرف إلى رفيقة وكونا ثنائيا ، كنت سعيدا بكوني المتفرج الوحيد على قيام العلاقات وإنهيارها ، وكنت أسطر بقلمي كل مايدور ، ولم أطلع أحدا على حرف مما أكتب , ورغم أنزوائي إلا إنني وجدتني بعد فتره كاتم أسرارا الجميع ، وجدتني من حيث لا أدري طرفا في كل النزاعات والعلاقات ، ومن ثم وجدتني أتحول إلى شخص أجتماعي مشارك للجميع في كل ما يفعلونه ، وكانت تجربتي الأولي..
في أحدى الرحلات التي قام بها الزملاء وجدتني أوافق على الأشتراك فيها بعد إلحاح ، بعد أن ركبنا الحافله بدقائق لمحتها ، لم تكن ممن رأيتهم قبلا , تكرر تلاقي أعيننا كانت تضحك وتنظر إلى الأرض , شجعتني ضحكتها أقتربت من مكان جلوسها , تلعثمت قبل ان أسألها عن أسمها ردت وهي تبتسم ، استأذنت صديقتها التي كانت تجلس بجوارها , جلست أتجاذب معها أطراف الحديث , كان الصخب عالي غناء وفوضى وأصوات مختلطه , لكننا كنا في زمان ومكان أخرين , كان التوافق في تركيبتنا جليا , شعرت بدبيب الحب لأول مره في حياتي , وعرفت معني العشق , تحركت أحرفي من جديد بعثت برقتها ودفئها كل الأحرف التي وارها التراب , كتبت فيها ولها الكثير وهمت بها عشقا , عرفت بحبها الجارف ان تجعلني أصوغ حرفي بجمال , غيرتها كانت تحركها أحيانا للدفاع عن وجودها كأنثي وحيده في حياتي , وكانت هذه نقطة الخلاف الوحيده , عشقها لتفردي في كتابة أعذب الحروف وأكثرها رومنسيه كان يغفر لي عندها كل زلة , تسارع مرور الأيام , وصفعتنا الحياة بواقعها المر , أنتهت سنوات الدراسه , وتجلت الصورة الواقعيه بوقاحة أحتياجاتها الماديه وقسوتها , قررت السفر ولم أحسب لثورتها على قراري وأبتعادي حساب , خيرتني بين البقاء او أصطحابها لأي مكان أود الذهاب إلىه , وكلا الخيارين كان مستحيلا وقتها .
حينما شعرت بعنادي , جارتني في مشروع سفري , كنت كمن يقتلع قبله بيده من صدره , حاولت التماسك لأجلها , لكنها صدمتني بتماسكها وغضبها المكتوم , لم يمض شهران على سفري ألا وهي تخبرني بأنها قد خطبت وأنني السبب لأني لم أستمع لصوت قلبها , وأهنت كبرياء الأنثي داخلها , أسودت الدنيا في عينيَّ , وشعرت بإنهيار كل أحلامي , أنطويت على ذاتي , كسرت قلمي , وركزت كل حواسي في عملي ... أدركت حينها أن القلم بيدي جسد يحتاج لأنبعاث روح فيه ليتحرك ولتدب فيه روح الأبداع , ودعته بعد أن شعرت بأن مشاعري قد دفنت , وبأنني لن أعد قادرا على إيقاظ حرف من أحرفي من جديد ،
توالت أيامي مرورا ونجاحاتي وأنكساراتي , صعودا وهبوطا , فكرت أن أعاود محاولة التعايش مع ذاتي من جديد , ومضت فكرة الزواج بذهني , ربما تكون تلك بداية حقيقية , قررت أن أعمل عقلي هذه المرة , وجدتها .. أنسانه بسيطه أحلامها مثلها , برغم انني لم أجد قاسماً مشتركاًبيننا , إلا إنني صممت على الأستمرار , لم تمض السنه الأولي ألا وقد رزقنا بطفلنا الأول , بعث بعض البهجه في علاقتنا , لم يطل الوقت حتي رزقنا بطفلنا الثاني ,كنت تائها أبحث عن ذاتي عن بعض السعادة التي كنت أسمع عنها , لكن لا جدوي , شعرت وقتها أن ساعة التغير التي كنت أنتظرها قد توقفت عقاربها وصدأت تروسها , بحثت حولي لم أجد إلا قلمي الذي رقد في سبات , حاولت أن أوقظه عله يكون سلواي فيما آلت إلىه حياتي , مضت أشهر قبل أن أفلح في أستعادة وهج حرفي , كنت أعيش لأنه يجب أن اعيش وليس لسبب أخر , كل الحزن الذي تراكم بداخلي كان وقودا أنطلقت منه شرارة البدء ,وجدتني كبركان تفجر , نهر أنسابت جداوله , ومع هذه البداية وتلك الصحوة لقلمي بدأت أنشر ما أكتبه , وبدأت قصتي مع قمر في ذاك الوقت.
كنت أتلقي رسائل الإعجاب ممن يتابعون ما أكتب , كنت أرد على بعضهم , وأتابع بشغف أعادني سنوات ومنح قلبي رشفه من أكسير الحياة , تميزت رسائل قمر برقتها وعذوبة أحرفها , تنامي أهتمامي برسائلها كثيرا , وأصبحت انتظر أي حرف تخطه , وأتلهف لمعرفة رأيها فيما أكتب , شعرت هي بأهتمامي , توطدت علاقتنا لتشمل الجانب الشخصي وليس الأدبي وحسب , كانت صاحبة قلم راق , وإحساس مرهف , تشاطرنا كل حرف , وشعر كل منا أنه أنما خلق للأخر , كان هناك من القواسم بيننا الكثير , شعرت بعاطفة جارفة تجاهها , رقص قلبي فرحا حين صارحتها بمشاعري وأجابتني على استحياء أنها هي أيضا تكن لي نفس المشاعر وربما أكثر, لم يمض وقت طويل حتي تعرف كل منا على حياة الأخر بكل صدق وشفافيه , أحترمت بساطتها وأحترمت صدقي ,، إزداد تقاربنا وشعرنا بأننا لن نستطيع العيش إلا معا ، تفهمها لوضعي العائلي , بسط الأمور كثيرا ,
كنت أعلم أنني سأجابه بسيل من الغضب , لكن حبي الجارف لها كان سندي , سافرت إليها لترتيب أمر إرتباطي بها , لكنني لم أستطع إلا إتمام كل شئ , بين عشية وضحاها تزوجنا ,وقضينا معا أجمل اللحظات ,رقتها فاقت كل ما تصورت , دفء مشاعرها كان يبهرني كل يوم , أنوثتها الطاغيه ملكت على حواسي , شفغها وبساطة نفسها جعلا السعادة وصفا بسيطا لما كنت أستشعره وأنا بقربها , وكأن الحياة تريد أن تعوضني عن كل ما فات , كانت أنثي بكل ما تحمل تلك الكلمة من معان , وكنت أنا ظمآنالذاك الحب الذي كانت تمنحه في رضىً ,، أسكرني قربها وعاد قلمي ليكتب أجمل وأرق ما كتب على أنغام همسها , وعطر أنفاسها , ودفء عيونها .
كان لزاما أن أعود لترتيب أموري ومعرفة كيف ستسير حياتي بعد الذي حدث , وكان لقائي بها لأودعها قبل دقائق من الأن ... أنقطع خيط الذكريات ولم أعد اشعر بشيئ وجسدي يقترب من الأرض و يستقر علىها بلا حراك
حين أفقت لمحتها بجمالها ورقتها على حافة السرير جالسه في سكون همست في ضعف قمر , مسحت دمعتها وهي تراني أفتح عينيَّ ، اقتربت وإبتسامه تكسو وجهها ,همست كيف حالك حبيبتي , توقفت الأحرف وأنا أري بعض الشعيرات البيض قد تسللت إلى رأسها , لمحت علامات الدهشه بعينيَّ , همست لقد مضت ست سنوات على الحادثة يا حبيبي , سقطت من عيني دمعه قبل أن أعود لغيبوبتي من جديد .

تمت

إنكســــــــــــــــــــار


كان قد أقترب من النافذه المسيجه بقضبان ذكرته بأيامه الخوالي،، أنطلق الصوت مجلجلا ومعلنا الأغلاق قبل أن يحصل علي أرغفة الخبز التي أنتظرها ساعات ،، جر قدميه في يأس ،، وصل إلي طرف الرصيف ،، جلس متثاقلا ،، إنهمرت من عينيه الدموع ،، وشعوره بالانكسار وقلة الحيله يعتصرانه ،، شعر بغصة في حلقه ،، تقافزت الأسئله بحلقه ،، ماذا تراه سيخبر حفيده عند عودته خالي الوفاض؟ بكي بحرقه ،، لم يدر كم مكث علي حاله ،، حين رفع رأسه تداعت أمام عينيه الصور،، عاد بذاكرته إلي أولى انكسارته ،، لم يكن يومها قد تعدي السابعة عشر ،، سمع بالهزيمه ،، النكسة كما كانو يطلقون عليها ،، شعر بمرارة الذل والهوان يومها ،، ليس من الهزيمه ،، لكن من خداع من آمن بهم ،، كان وقتها يافعا ،، حاول أن يقاوم إنكسارته ،، لم تمض سنوات كثيره ،، وجاءت الضربه الثانيه ،، تم رفضه في كلية الفنوان ،، الكليه التي عشقها ،، لم يدر السبب ،، أهو الروتين ،، البيروقراطيه ،، أم حظوظ غيره ممن لهم الحظوه ،، لم تشفع له ريشته ،، لم تسنده موهبته ،، حط رحاله بكلية اخري،، لم يدر لما دخلها ولا كيف خرج منها ،، حاول أثناء وجوده هناك أن يشغل نفسه بأي شئ ينسيه أنه لم يحقق حلمه ،، أنضم لأحدى الجماعات المنتشره بالكليه ،، أفاق وهو في أحد السجون ،، جلس وحيدا منهكا ،، تساءل في وهن هل سكنتة الذله،، الأهانه هذه المره فاقت كل حد ،، كرامته أنتهكت ،، وأستبيحت أنسانيته،، ذاق أياما من العذاب ،، في النهاية وجد نفسه ملقي خارجا بلا تحقيق أو عرض علي القضاء،، حين حاول فتح عينيه ،،وجد نفسه بجوار كيس نفايات ،،ربت عليه وهو يتحامل علي قدميه ليغادر ،، تمتم وهو يودعه بنظره ،، ما الفرق بيننا،، عاد إلي الكليه ،، قضي معظم وقته ساهما ،، تعلم أن يبقي وحيدا،، لا يتحدث لا يشارك في أي نشاط،، مضت سنين دراسته ،، يوم حصوله علي شهادته خاصمته الفرحه بعد أن أختطف الموت والديه تحت أنقاض بيته العتيق،، بكي يومها صمتا ،، بعدما عنفه الحزن بقسوه،،وأقترنت الوحده بمشاعره،، بزغ شعاع أمل حين عرض عليه أحد أصدقاء والده عملا ،، مرت أيامه بطيئه ،، لكنه شعر أن الهم ربما سئم من مصاحبته ،، حاول أن يقبل علي عمله ويجتهد ،، فاجأه صديق والده بعرضه للزواج من أبنته ومرافقتها في عملها بأحدي دول الخليج ،، تم الأمر بسرعه ،، تنفس الصعداء وهو يري الامل يعاود مداعبة حياته ،، مرت أيامه بيسر،،، رزق بطفل وفرصة عمل جديده،، طار قلبه الذي ما عرف الفرح من زمن ،، تحمل الكثير في سبيل أن يستمر في عمله ،، برغم ضغوط صاحب العمل ،، حاول الأستمرار ،، أزدادت الضغوط والأهانات ،،أتفاقيه الصلح مع العدو فجرت غضب صاحب العمل،، لم يتبرم علمته المحن التي مر بها الصبر،، يشعر كل يوم بزيادة المهانه ،، جاءت القاصمه فارقت زوجته الحياة لم يستطع الأحتمال ،، غادر عائدا إلي وطنه ،، بعدما تكالبت الظروف عليه،،قست عليه الحياة أكثر مع وفاة حماه بعد عودته بأشهر قليله ،، مكث في بيت حماه ،، بعد أن رق قلب العجوز صاحبة المنزل له ولولده ،، بل وطلبت منه أن يترك الصغير لديها ،، رحمة الله ساقت إليه الفرج ،، موجة الانفتاح التي أغرقت الوطن أوجدت له فرصه عمل براتب جيد،، في سنوات قليله تحسنت أحواله ,, أدخل ولده المدرسه ،، وشق طريق نجاحه في عمله ،، أصبح لديه رصيد في البنك ،، شعر بأن الدنيا قد أقبلت عليه ،، وانها لن تدر ظهرها له من جديد،، مضت عدة سنوات قبل أن تنهار شركات كثيره ،، بعدما فضح أمرها ،، وأمر تجارتها بالأغذيه الفاسده ،، أغلقت الشركه أبوابها ،، وكادت الاتهامات تطوله ،، لولا رحمة الله ،،، عاني طويلا قبل أن يدله أحد أصدقائه علي شركات توظيف الأموال التي تعطي أرباحا عاليه ،، توجس من الأمر في البدايه ،، إلحاح صديقه ورغبته في أن يكمل ولده دراسته ،، دفعاه إلي الموافقه ،، سلم كل ماأدخره إليهم ،، مرت أشهر وهو يستلم أرباحه علي أحسن وجه،، كان راضيا ،، لم يكتمل العام الثاني إلا وقد توقفت الدفعات ،، ضيقت الحكومه الخناق علي شركات توظيف الأموال،، هرب البعض وسجن أخرين ،، وفقد البسطاء أمثاله أموالهم ،، عاد معدما ،، وعادت الظلمه تساكن حلمه ،، تلاطمت أمواج حياته وهو يكابد ضيق العيش،، ويراقب ولده الوحيد وهو يخطو نحو الجامعه،، كان هذا سلواه الوحيد ،، تنقل بين أعمال كثيره ،، حرصه علي أن يوفر لولده فرصته لأكمال تعليمه ،، جعلته يعمل ليل نهار،، ويقبل بأي عمل ،،كانت فرحت لا توصف حين ألتحق ولده بكلية الهندسه،،مرت سنوات دراسته سريعا ،، وهو يتطلع بشغف ليوم تخرجه،، تنفس الصعداء أخيرا تحقق حلمه ، وأصبح والد المهندس ،،، خر راكعا شكرا للهأن أدرك هذا اليوم ،،، مرت اشهر قبل أن يجد ولده عملا ،، حاول بشتي الطرق ،،، أخيرا ظهرت بارقة أمل،، أعلان طلب مهندسين بأحدي دول الخليج ،، رغم قسوة البعد ألا أنه شجع ولده علي السفر،، مكث عام وعاد كما وعد أبيه حين ودعه في الميناء ،، عانقت دموع الفرحه قلبه ،، أسر إليه برغبته في أن يزوجه ، دمعت عيناه وهو يهمس أريد أن أري حفيدي قبل أن ألحق بأمك ،، مازحه لكن أين العروس ،، تهلل وجهه وهو يصيح ،، بنت جارنا ،، كما تزوج هو قبلا تمت الأمور بيسر وتم الزواج،، لم يمكث غير شهرين ،، غادر بعدها إلي عمله تاركا زوجه حاملا ،، مضت الأشهر سريعا ،، وهو يغالب لهفته لأحتضان حفيده ،، لم يستطع ولده الحضور لظروف عمله ،، حين تلقف سمعه صوت الصغير شعر بسعادة لم يستشعرها ألا يوم تخرج ولده من كلية الهندسه ،، سهر علي راحته وراحة أمه ،، مضت ستة أشهر كأنها ستة أيام وهو يعايش صغيره ليل نهار ،، لا يفتأ يحتضنه ويقبله ،، لا يتركه لأمه الا وقت النوم ،، أكتملت سعادته برساله من ولده يحدد موعد عودته ،، انتظر يوم وصوله بلهفه ،، أصطحب حفيده وزوجة ولده لأستقباله في الميناء ،، تأخرت العباره ،، تهامس الجميع في قلق ، تعالت الهمسات ،، اخترق الصمت صوت صياح النساء ،، لقد غرقت العباره ،، لم تستطيع قدماه أن تحمله ،، تجمد الدمع بعينه ،، لم يستطع المغادره كان يأمل ألا يكون الخبر صحيحا ،، احتضن حفيده في جزع ، لم ينطق بحرف طوال رحلة العوده إلي البيت ،، مكث أياما لا يبرح السرير ،، ترك الحزن رسائله محفوره علي قسمات وجهه ،، حاولت زوجة ولده أن تخرجه من صمته ،، تترك حفيده يداعبه ،، أستجاب لأبتسامته بعد فتره ،، أخذ عهد علي نفسه ألا يشعره باليتم يوما ،، وأن يكون له والدا قبل ان يكون جدا،، مرت سنوات ست ، وكل يوم يزداد شظف العيش ،، ويزداد حمله ،، لكنه يتذكر عهده فيزداد أصراره علي مواصلة سعيه ،، وعدم السماح للزمن أن يكسره ،، كفاه إنكسارات ،، لكن الزمن يقسو أكثر كلما لمح الأصرار علي ملامحه المنهكه ،، كان غدا هو أول يوم لحفيده في المدرسه ،، وعده بأن يلعب معه بعد أن يحضر الخبز لطعام يومهم هو وأمه ،، شرط أن يكون رجلا ويذهب غدا للمدرسه مبتسما فرحا ،، أستفاق علي صوت جلبه صادره من المخبز ،، أستند علي حافة الرصيف وهو يحاول أن يقف ليعرف سبب الجلبه .. تدافعت جموع الجوعي بعد أنهددهم صاحب المخبز ،، نشبت مشاجره ،، حاول الأبتعاد لم تسعفه قدماه ،، وجد نفسه تحت الأرجل تركله بلا رحمه وهم يتشاجرون علي رغيف خبز ،، لم يستطع الصمود أنهارت قواه ،، تبسم وهو يسلم الروح ،، فقد أيقن انه لا انكسارات بعد اليوم ...
تمت

الأربعاء، 20 مايو 2009

لحظة صمت




تدحرجت دمعه حزينة , تبعثرت الأسئلة الحبلى, من لها الآن ؟ , أين دفء الكف التي كانت تحتضن دمعاتي؟، وأين العينين التي كنت أسكنها, حين تغتالني أحزاني؟ , أين وألف مثلها فردت أشرعتها بوجهي وزمجرت في غضب ؟, عشش الحزن بوجهي , وسكنت فؤادي وحشة الألم, غادر تني بسمتي إلي غير رجعه ,لمحت في زاوية حبات العقد متناثرة قمت إليها حاولت التقاطها أبت أن تجتمع في كفي , تبعثرت,, أطلت ابتسامه باهته من شفتاي همست حتى أنت تأبين ألا الابتعاد , سمعت خشخشة عبر النافذة ,, ألتفت ,, قطرات المطر الخريفي تعانق الزجاج والغيم يطل علي البعد , تسمرت عيناي فوق شجرة تترنح تحت زخات المطر وقسوة الرياح , انفجرت بداخلي رغبه محمومة للخروج , حين فتحت الباب صدمتني برودة الهواء ارتجفت أطرافي , بللت الأمطار وجهي راودني أحساس طفولي بالعدو , تلفت يمينا ويسارا يكاد الطريق أن يكون خاليا , أطلقت لقدماي العنان , شعرت للحظات وكأن همومي تتناثر مع عدوي , تثاقلت خطواتي مع اقترابي , لمحت أمواجه ثائرة يزبد ويرغي في غير هوادة , واجهته متحديه , صمدت للحظات قبل أن يلقي بموجه في وجهي , تبللت من أخمص قدماي حتى مفرق رأسي , انتفضت وقد اقشعر بدني , حاولت التراجع تسمرت قدماي في عناد , كرر هديره وهو يلقي بموجه ثانية , أطاحت بما تبقي من صمودي , قفلت عائده وجسدي كله يرتعد.
بت ليلتي محمومة , اختلطت الرؤى بالأطياف بذاكرتي وذكرياتي ,, بحثت بين الصور المتلاحقة عنه ,, لكنه كطيف غارق في ثنايا الظلمة كان يتفلت فلا أبصره ,, جف دمعي بعدما روي حزني حتى أورق,, فراقه لي لما كان بتلك القسوة ؟ هل شعر بما شعرت أنا به ,, يكاد رأسي ينفجر لو اعرف السبب !! ربما حينها تهدأ نفسي ,, لا يستطيع قلبي أن يكرهه .... ليتني استطيع !! لما كنت شعرت بهذا الحزن ولما أطبق علي صدري الضيق , لم ادخر وسعا لإسعاده , ولم أوفر صبرا علي قسوته معي وتجاهله لمشاعري حين قرر هجري ,, لقد أحببته بكل كياني كان حلمي الذي انتظرته سنينا ولم أشأ أن افقد حلمي ,, كنت علي يقين من حبه لي ,, كلماته ,, أشعاره التي ملأ الدنيا بها شدو ,, نظراته حين التقينا للمرة الأولي ,, دفء الصدق المعانق لصوته,, وثوق نبرته التي تقطر رجولة وتشع مهابة ,, الحنان الذي يطل من عينيه,, اللهفة الصادقة حين يلمح بعيناى حزن,, رقته وهو يمسح علي رأس طفلة تسأله أن يعبر بها الطريق فيشتري لها الحلوى ،، قبل أن يودعها ببسمة ,, أشياء ثبتت حبه بقلبي ,, رمت بى في متاهة ,, علقت فما عدت بقادرة علي تحديد بوصلة مشاعري ما كرهت يوما احد فكيف بمن منحني السعادة ولو لفترة قصيرة لكني اشعر بغصة في قلبي مما فعله بي حتى دموعي نضب معينها , بقيت أحاور ذاتي ,, شملني حزن قبل أن تغفو عيوني , 0000000000000000000
حين أفقت كان النهار قد أنتصف , قمت إلي النافذة لمحت أشعة الشمس مخترقة الغيم في تناغم رائع, هبت نسمة خريفيه منعشه , تطايرت خصلات شعري , ألتفت إلي المرآة , لمحت بقايا الحزن علي وجهي , خلعت ملابسي في طريقي للاغتسال , حين لامسني الماء تذكرت ليلة البارحة , اقشعر بدني , مكثت دقائق , هدأت نفسي , شعرت براحة , قررت الخروج لأول مرة منذ فراقه لي,
دفء العيون المصافحة لوجهي في ود, والابتسامات الرقيقة المصاحبة لعبارات الاطمئنان عن أحوالي , زادت من ثقة خطواتي , لم تكن وجهتي واضحة , حملتني قدماي إلي الشاطئ , لمحت علي البعد صبي يلقي بصنارته , أسندت يدي إلي السور ورحت أراقبه خلسة, يسحب صنارته خالية , ثم يعيد الكرة بلا ملل ,, سادت لحظة صمت , أخيرا تهلل وجهه وسمكه كبيرة علقت بالصنارة , رفعها في فخر , تلوت يمينا ويسارا وهو يحاول ألا يفلتها , وقع في نفسي خاطر , أتراها تتألم ؟ , وألا لما كل هذه الحركة والتلوي , لكن مما ؟ من الصنارة التي علقت بها !!! أم أن انتزاعها من عالمها المائي أشد إيلاما ؟ شردت متسائلة , لكني لم افلح في الإجابة ,,,0000000
0 0 0
تركت الصبي وسرت بمحاذاة الشاطئ , تداعت الأفكار علي رأسي , وشريط حياتي يمر أمام عيناي , حاولت أن امسك بتلابيب أي انجاز حققته , لم أفلح , حياتي كانت عاديه أكثر مما قد يخطر علي بال أحد , بل والأكثر أن إخفاقاتي كنت عاجزة عن حصرها !!!, أطرقت للأرض ودمعة تراوح بين النزول ومحاولة التماسك ,, حرارة الشمس كانت قد بدأت تشتد ,, تسارعت وتيرة خطواتي ,, وكأني اعرف وجهتي , فجأة دوى صوت ارتطام,, التفتت فإذا بشخص ممدد علي الأرض في وسط الطريق , اقتربت من الجمع الذي كان قد بدأ مع نزول السائقين ,, لمحت شابه في العشرينات ممدة بلا حراك ,, مرت لحظة صمت ثقيلة ,, عبارات التأسف والحوقلة لم تجدي نفعا , فقد أسلمت الروح ,, وجدتني أجهش بالبكاء وأنا ابتعد مغادرة , لم أستطع التوقف , لكنني كنت عاجزة عن تحديد سبب بكائي ,, أكنت انعي نفسي و شقائي في هذه الحياة , أم انعي تلك المسكينة .

هدأت نفسي قليلا جففت دمعي , اعترض طريقي بائع الورد ,, ألح في عرضه تناولت واحده بعدما دفعت إليه بالنقود , قلبت الوردة بين يداي ,, كانت نديه تفوح منها رائحة زكية ,, ضممتها إلي صدري ,, شعرت بالتعب ,, جلست فوق حافة السور الفاصل بيني وبين البحر ,, عشت لحظة صمت طويلة ,, بقيت علي حالي محملقة في الموج ,, لم أدر كم مر من الوقت ,, لكنني شعرت بسكينه لم استشعرها من زمن ,, وكأني بأمواج البحر قد طهرتني من أحزاني ولحظات الصمت أعطتني فسحه كي أكف ولو للحظات عن لوم نفسي ومحاورة ذاتي ,, حين عانقت الشمس البحر ,, أحمر موجه خجلا ,, ضمها برفق ,, ذابت بين أمواجه ,, تحسست الوردة بين يداي ,, تنهدت في راحة ,, هبت نسمة باردة ,, قفلت عائدة وأنا استشعر راحة ,, حين وطئت قدماي البيت ,, كان الحزن قد غادره ,, وعشش دفئا في جنباتة ,, قبلت الوردة قبل أن أضعها في أناء الماء ,, بدلت ملابسي ,, شعرت بالنعاس ,, حين وضعت رأسي علي الفراش رحت في نوم عميق ,, وإبتسامة واثقة
تعانق شقتاي
تمت 000000000 000 0

الاثنين، 18 مايو 2009

ذات النمله



جلس علي حافة النهر مسندا ظهره إلي شجرة الجميز العتيقه ، عيناه تراقبان تلك النمله ، رحلتها عبر جزع الشجره الملتف لم تتضح ، تسرع صاعده ، ثم لا تلبث أن تغير وجهتها ، شعر وكأنها تقوم بعملية تمويه، لم يعرف وجهتها بالضبط ، تسرع ثم تبطئ ، ظل علي حاله يراقبها ، مالت الشمس للمغيب ، وهو جالس القرفصاء و رأسه بين ركبتيه ، غلبه النعاس ، أفاق علي لدغه برقبته ، صرخ وهو يتحسس مكان الألم ،، شعر بها تسقط حين لامست يده رقبته ، ركض عائدا إلي البيت ، وعيناه دامعه من شدة الألم ،

صرخت أمه حين لمحته وقامت لتحتضنه ، أجلسته في منتصف الحجره ، ظلت تتمم بكلام مبهم وهي تدور حوله وحلقات الدخان المنبعث من المبخرة التي أحضرتها تكاد تخنقه ، في اليوم التالي لم تسمح له بالخروج للمدرسة ،عيونهم هي التي أصابتك بما أنت فيه ، لم يكن يلتفت لكلامها أو يفهم معناه لكنه كان سعيدا لأنه لن يذهب للمدرسة ، وسيريح نفسه من عصا أستاذ اللغة العربية ، خوفها المرضي عليه وإيمانها المطلق بالحسد وعيون الناس التي لا ترحم ، انتقلا إليه مع مرور الأيام ، كان كلما مرض يسرع إلي الرقية سواء أكان مرضه بسبب فيروسا أصابه أو بسبب العين ، وحين لا يتم الشفاء يرجع الأمر برمته إلي قوة عين الحاسد وشدة شره ،

مرت أيامه بين خوف أمه المرضي عليه من العين وبين تفوقه وعبقريته التي بدأت تتضح معالمها وهو يحصد جوائز التفوق ، وتنشر صورته في الصحف كأحد النابغين عن بلدته
، بنيته التي لم تكن قوية بطبيعتها ، أرجعتها أمه لعيون الحاسدين ، أما هو فقد كان شغله الشاغل كتبه ، ودراسته وحلمه بأن يصبح طبيبا ، لذا لم تكن شهيته لغير العلم تميل ، وكان لهذا أبلغ الأثر علي ضعف بنيته الجسديه وصحته ، وتعرضه للمرض في كثير من الأحوال ، لكن لم يمنعه هذا من التفوق والإلتحاق بكلية الطب كما كان يحلم.

حين عاد أول مرة من الكلية أستقبلته كعادتها بالبخور والتعاويذ ، كان مشوشا مما رأي في يومه الأول شباب وفتيات يتحدثون ويتصافحون يمزحون ، كانت صدمة أن يري هذا الأختلاط والتبرج من بنات كان يفترض بهن أنهن ذاهبات لمحراب العلم وليس لأحد الأعراس ، نشأته الريفيه المحافظة ، وحديث أستاذ اللغة العربية الذي كان أمام مسجد قريتهم في نفس الوقت ، يرن في أذنية ، لقد صدق الشيخ أقترب يوم القيامه ، سمعها تحدث والده : الولد راجع لونه مخطوف وعيونه مزغللة ، عيونهم ربنا يستر عليه ، أنا رقيته اليوم قبل ما يخرج وأول ما دخل ، تبسم وهو ينصت من حجرته لكلامها الذي يقطر حبا ، كما هي دوما معه ،

كان تكيفه مع زملائه بطيئا ، لكنه بدأ يتعود ، دماثة خلقه وإستقامته كانا السبب الرئيس في تكوين صداقات كثيرة ، وسرعان ما إنقلبت صداقته بإحدي زميلاته إلي علاقة حب ، تبدلت حياته على أثرها بشكل كامل ، لم يكن يتصور أن خفقان قلبه سيبدل حياته بتلك الصورة ، أصبح يمضي معظم أوقاتة بالجامعة وهو الذي كان يسارع بالعودة فور إنتهاء محاضراته ، أصبح أكثر هدوء وأقل كلاما ، سعادتة التي باتت واضحه علي ملامحه ، لم يكن يكدرها سوي أسئلة أمه المتكررةعن سبب إنشغال باله ، وقلقها من ضعف شهيته وسهادة الدائم ، حاول مره أن يحكي لأمه عنها لكنه تراجع فهو يعرف حق المعرفة ولهها عليه وخوفها المرضي من بنات البندر ولؤمهن ،

مرت أيام سعادته سريعه ،وبدأت الخلافات تدب بينهما ، إختلاف الطباع والبيئة التي إنحدرا منها ، كانت السبب في إفتراقهما ، حاول أن يتماسك ، لكنه لم يستطع ، أصيب بحالة حزن شديده ، أمتنع عن الذهاب للكلية ، وعبثا حاولت أمه معرفة السبب ، لكنها لم تتوقف عن إطلاق البخور في أرجاء المنزل ، ومواصلة رقيه بكل ما تعلمه من رقى ، كانت تمضي الليل باكية وهي تدعوا الله أن يحفظه من عين الحاسدين ،

أما هو فقد بلغ به الحزن مبلغه ، وضاق صدره وأصبح لا يخرج من حجرته ، يجلس ساعات محملقا في ركن الحجره بلا حراك ، حين دخلت عليه أمه وجدته محملقا في زاوية الحجره وهو يبتسم ، إلتفتت ناحية الركن لم ترى شيئا ، أشار بيده في براءه وهو يهمس ، أتراها ذات النمله يا أمي ، لم تفهم قصده ، أخذ يدها وضعها فوق رقبته تذكرت ، لعله يعني تلك النمله التي لدغته قبل بضع سنينن ، تبسمت وهي تربت علي كتفه بسعادة وصوته يداعب سمعها بعد صمته لعدة أيام ، خرجت تعد له الطعام ، أما هو فتابع محاولات النمله للصعود من جديد .

عاد لدراسته بقوه ، وقد عزم علي إدراك ما فاته ، كان فشل تجربته دافعا قويا ليحقق نجاحا في دراسته ، لقد تعلم من تجربته جيدا فأعطى كل وقته لدراسته ، وتلاحقت الأيام سريعا ، لتظهر نتائج الامتحانات ويكون هو أول دفعته ، لم يتفاجئ فقد كان إجتهاده واضحا ، أما أمه فقد أكدت عليه مرات ومرات ألا يذكر أمر تفوقه لأحد في البلدة ، وهمست وهي تؤكد وصيتها له عند خروجه يا بني كل لعيون عليك ، داري علي شمعتك يا ولدي ، كان دوما يبتسم وهو يستشعر فيض الحب الذي تغمره به ، فيكب علي يدها يقبلها ، وهي تمتم بالدعاء له ،

بات هدفه واضحا ، وقد وضع نصب عينيه الحصول علي شهادته بتفوق يتيح له أن يصبح أستاذا جامعيا ، وعمل علي تحقيق هذا بكل جهد ، مرت سنواته الثلاث وهو يحقق ما تمناه من تفوق جعله محط أنظار زملائه ، والكل يرشحه دوما ليكون الأول ، في بلدته بدأ البسطاء من الأهالي يلجؤن إلي الدكتور كما كان الكل يناديه ، رغم إنه لازال يدرس ، ولم يكن ليرد أحد ، مما جعل الجميع يلتف حوله بحب ، ويتمني له الخير ، لكن أمه لم تقطع عادتها في الرقية اليومية له ، وكان هو يتقبل هذا الإهتمام منها بسعادة ورضا ،

قبل إمتحاناته بعدة أيام أصابته حمي شديده ، أستمرت معه لفتره ، ومنعته من خوض الإمتحان ، وأصابت أمه بالحزن الشديد ، جزعا عليه ، وحزنا علي ضياع جهد عام من المذاكرة والسهر ، لكنها كفكفت دمعها حين رأته بدأ يتعافي ، وظلت ترقيه وهي ساهرة بجواره وتطمئنه بأن الله سيعوضه خيرا ، لكنه كان يشعر بحزن دفين وهو يرى حلمه وقد تباعد ، كانت يد أمه تمسح علي رأسه حين صرخ متألما ، رفع يده إلي رقبته ، حين تفحصت رقبته تبسمت وهي تربت علي رأسه وتهمس إنها مجرد لدغة نمله،

في نفس الموعد من السنه التالية ، أصابته الشقيقه ، أصبح ألم رأسه لا يطاق كلما حاول الدرس والإستعداد للإمتحان ، ذهب إلي الطبيب لم ينتهي شقاءه ، حارت أمه ، أقنعته بأن يذهب معها إلي أحد المشايخ ليرقية ، لم يجد بد وقد ألمه رأسه بشده وأصبح لا ينام ، لكن الألم أشتد ، ولم يفلح معه أي دواء أو رقيه ، كان قد بدأ يتسرب إلي نفسه الشك في أمكانية تحقيق حلمه إنها السنه الثانيه ، فكر أن يترك الكلية ، ربما هي عين أصابتة ، فما الداعي للمكابرة ، لكن أليس هذا حلم أمه أيضا ، كيف سيخبرها ؟ وهل إذا ترك الكليه ستنتهي مشاكله ؟ لم يعد قادرا علي التفكير،

في صبيحة اليوم التالي وجد أمه بجواره ، تبسم في أسى ، ربتت علي صدره وهي تدعوه ليقوم من سريره ويصطحبها ، خرجت به من باب الدار ، أوقفته في مواجهة شجرة عتيقة ، نظر إليها في تعجب ، سحبته من يده جهة الشجرة ، إنحنت علي جزع الشجره وهي ممسكة بيده ، نظر فاذا بنمله تحمل فوق ظهرها أكثر من حجمها ، وتتسلق الشجره صاعدة ، سقط الحمل إلي الأرض ، عادت مسرعة لتحمله ، سقط ثانيا عاودت الكرة ، نظرت أمه إليه بحنان ولم تنبت ببنت شفة ، تبسم وهو يقبل جبينها ويحيطها بذراعيه ،

حين عاد حاملا لشهادته ، وجدها في إنتظاره لترقيه ، جلس هادئا وقد بدأت تتمتم بأدعيتها ورائحة البخور تلف المكان ، قبلت رأسه في حنان وهي توصيه بأهل بلدته ، قبل يدها قبل أن يقوم ليصلي ركعتين شكر لله ، رمقته بحب وهي تحضر له طعامه ، حين رفع من سجوده شعر بدبيب علي رقبته ، مد يده أمسك بها ، بعدما إنتهى من صلاته ، أفلتها من بين أصابعه علي كف يده ، نظر إليها في حيرة ، أيطلقها أم يفركها بين أصبعيه فيقتلها ، كانت تتحرك علي كف يده في حيرة ، تناهي إلي سمعه صوت أمه تناديه ، وضع يده علي الأرض ، أسرعت هاربة ، أما هو فقد شعر براحه وهو يتجه صوب صوت أمه ملبيا ندائها .

تمت