جلس علي حافة النهر مسندا ظهره إلي شجرة الجميز العتيقه ، عيناه تراقبان تلك النمله ، رحلتها عبر جزع الشجره الملتف لم تتضح ، تسرع صاعده ، ثم لا تلبث أن تغير وجهتها ، شعر وكأنها تقوم بعملية تمويه، لم يعرف وجهتها بالضبط ، تسرع ثم تبطئ ، ظل علي حاله يراقبها ، مالت الشمس للمغيب ، وهو جالس القرفصاء و رأسه بين ركبتيه ، غلبه النعاس ، أفاق علي لدغه برقبته ، صرخ وهو يتحسس مكان الألم ،، شعر بها تسقط حين لامست يده رقبته ، ركض عائدا إلي البيت ، وعيناه دامعه من شدة الألم ،
صرخت أمه حين لمحته وقامت لتحتضنه ، أجلسته في منتصف الحجره ، ظلت تتمم بكلام مبهم وهي تدور حوله وحلقات الدخان المنبعث من المبخرة التي أحضرتها تكاد تخنقه ، في اليوم التالي لم تسمح له بالخروج للمدرسة ،عيونهم هي التي أصابتك بما أنت فيه ، لم يكن يلتفت لكلامها أو يفهم معناه لكنه كان سعيدا لأنه لن يذهب للمدرسة ، وسيريح نفسه من عصا أستاذ اللغة العربية ، خوفها المرضي عليه وإيمانها المطلق بالحسد وعيون الناس التي لا ترحم ، انتقلا إليه مع مرور الأيام ، كان كلما مرض يسرع إلي الرقية سواء أكان مرضه بسبب فيروسا أصابه أو بسبب العين ، وحين لا يتم الشفاء يرجع الأمر برمته إلي قوة عين الحاسد وشدة شره ،
مرت أيامه بين خوف أمه المرضي عليه من العين وبين تفوقه وعبقريته التي بدأت تتضح معالمها وهو يحصد جوائز التفوق ، وتنشر صورته في الصحف كأحد النابغين عن بلدته
، بنيته التي لم تكن قوية بطبيعتها ، أرجعتها أمه لعيون الحاسدين ، أما هو فقد كان شغله الشاغل كتبه ، ودراسته وحلمه بأن يصبح طبيبا ، لذا لم تكن شهيته لغير العلم تميل ، وكان لهذا أبلغ الأثر علي ضعف بنيته الجسديه وصحته ، وتعرضه للمرض في كثير من الأحوال ، لكن لم يمنعه هذا من التفوق والإلتحاق بكلية الطب كما كان يحلم.
حين عاد أول مرة من الكلية أستقبلته كعادتها بالبخور والتعاويذ ، كان مشوشا مما رأي في يومه الأول شباب وفتيات يتحدثون ويتصافحون يمزحون ، كانت صدمة أن يري هذا الأختلاط والتبرج من بنات كان يفترض بهن أنهن ذاهبات لمحراب العلم وليس لأحد الأعراس ، نشأته الريفيه المحافظة ، وحديث أستاذ اللغة العربية الذي كان أمام مسجد قريتهم في نفس الوقت ، يرن في أذنية ، لقد صدق الشيخ أقترب يوم القيامه ، سمعها تحدث والده : الولد راجع لونه مخطوف وعيونه مزغللة ، عيونهم ربنا يستر عليه ، أنا رقيته اليوم قبل ما يخرج وأول ما دخل ، تبسم وهو ينصت من حجرته لكلامها الذي يقطر حبا ، كما هي دوما معه ،
كان تكيفه مع زملائه بطيئا ، لكنه بدأ يتعود ، دماثة خلقه وإستقامته كانا السبب الرئيس في تكوين صداقات كثيرة ، وسرعان ما إنقلبت صداقته بإحدي زميلاته إلي علاقة حب ، تبدلت حياته على أثرها بشكل كامل ، لم يكن يتصور أن خفقان قلبه سيبدل حياته بتلك الصورة ، أصبح يمضي معظم أوقاتة بالجامعة وهو الذي كان يسارع بالعودة فور إنتهاء محاضراته ، أصبح أكثر هدوء وأقل كلاما ، سعادتة التي باتت واضحه علي ملامحه ، لم يكن يكدرها سوي أسئلة أمه المتكررةعن سبب إنشغال باله ، وقلقها من ضعف شهيته وسهادة الدائم ، حاول مره أن يحكي لأمه عنها لكنه تراجع فهو يعرف حق المعرفة ولهها عليه وخوفها المرضي من بنات البندر ولؤمهن ،
مرت أيام سعادته سريعه ،وبدأت الخلافات تدب بينهما ، إختلاف الطباع والبيئة التي إنحدرا منها ، كانت السبب في إفتراقهما ، حاول أن يتماسك ، لكنه لم يستطع ، أصيب بحالة حزن شديده ، أمتنع عن الذهاب للكلية ، وعبثا حاولت أمه معرفة السبب ، لكنها لم تتوقف عن إطلاق البخور في أرجاء المنزل ، ومواصلة رقيه بكل ما تعلمه من رقى ، كانت تمضي الليل باكية وهي تدعوا الله أن يحفظه من عين الحاسدين ،
أما هو فقد بلغ به الحزن مبلغه ، وضاق صدره وأصبح لا يخرج من حجرته ، يجلس ساعات محملقا في ركن الحجره بلا حراك ، حين دخلت عليه أمه وجدته محملقا في زاوية الحجره وهو يبتسم ، إلتفتت ناحية الركن لم ترى شيئا ، أشار بيده في براءه وهو يهمس ، أتراها ذات النمله يا أمي ، لم تفهم قصده ، أخذ يدها وضعها فوق رقبته تذكرت ، لعله يعني تلك النمله التي لدغته قبل بضع سنينن ، تبسمت وهي تربت علي كتفه بسعادة وصوته يداعب سمعها بعد صمته لعدة أيام ، خرجت تعد له الطعام ، أما هو فتابع محاولات النمله للصعود من جديد .
عاد لدراسته بقوه ، وقد عزم علي إدراك ما فاته ، كان فشل تجربته دافعا قويا ليحقق نجاحا في دراسته ، لقد تعلم من تجربته جيدا فأعطى كل وقته لدراسته ، وتلاحقت الأيام سريعا ، لتظهر نتائج الامتحانات ويكون هو أول دفعته ، لم يتفاجئ فقد كان إجتهاده واضحا ، أما أمه فقد أكدت عليه مرات ومرات ألا يذكر أمر تفوقه لأحد في البلدة ، وهمست وهي تؤكد وصيتها له عند خروجه يا بني كل لعيون عليك ، داري علي شمعتك يا ولدي ، كان دوما يبتسم وهو يستشعر فيض الحب الذي تغمره به ، فيكب علي يدها يقبلها ، وهي تمتم بالدعاء له ،
بات هدفه واضحا ، وقد وضع نصب عينيه الحصول علي شهادته بتفوق يتيح له أن يصبح أستاذا جامعيا ، وعمل علي تحقيق هذا بكل جهد ، مرت سنواته الثلاث وهو يحقق ما تمناه من تفوق جعله محط أنظار زملائه ، والكل يرشحه دوما ليكون الأول ، في بلدته بدأ البسطاء من الأهالي يلجؤن إلي الدكتور كما كان الكل يناديه ، رغم إنه لازال يدرس ، ولم يكن ليرد أحد ، مما جعل الجميع يلتف حوله بحب ، ويتمني له الخير ، لكن أمه لم تقطع عادتها في الرقية اليومية له ، وكان هو يتقبل هذا الإهتمام منها بسعادة ورضا ،
قبل إمتحاناته بعدة أيام أصابته حمي شديده ، أستمرت معه لفتره ، ومنعته من خوض الإمتحان ، وأصابت أمه بالحزن الشديد ، جزعا عليه ، وحزنا علي ضياع جهد عام من المذاكرة والسهر ، لكنها كفكفت دمعها حين رأته بدأ يتعافي ، وظلت ترقيه وهي ساهرة بجواره وتطمئنه بأن الله سيعوضه خيرا ، لكنه كان يشعر بحزن دفين وهو يرى حلمه وقد تباعد ، كانت يد أمه تمسح علي رأسه حين صرخ متألما ، رفع يده إلي رقبته ، حين تفحصت رقبته تبسمت وهي تربت علي رأسه وتهمس إنها مجرد لدغة نمله،
في نفس الموعد من السنه التالية ، أصابته الشقيقه ، أصبح ألم رأسه لا يطاق كلما حاول الدرس والإستعداد للإمتحان ، ذهب إلي الطبيب لم ينتهي شقاءه ، حارت أمه ، أقنعته بأن يذهب معها إلي أحد المشايخ ليرقية ، لم يجد بد وقد ألمه رأسه بشده وأصبح لا ينام ، لكن الألم أشتد ، ولم يفلح معه أي دواء أو رقيه ، كان قد بدأ يتسرب إلي نفسه الشك في أمكانية تحقيق حلمه إنها السنه الثانيه ، فكر أن يترك الكلية ، ربما هي عين أصابتة ، فما الداعي للمكابرة ، لكن أليس هذا حلم أمه أيضا ، كيف سيخبرها ؟ وهل إذا ترك الكليه ستنتهي مشاكله ؟ لم يعد قادرا علي التفكير،
في صبيحة اليوم التالي وجد أمه بجواره ، تبسم في أسى ، ربتت علي صدره وهي تدعوه ليقوم من سريره ويصطحبها ، خرجت به من باب الدار ، أوقفته في مواجهة شجرة عتيقة ، نظر إليها في تعجب ، سحبته من يده جهة الشجرة ، إنحنت علي جزع الشجره وهي ممسكة بيده ، نظر فاذا بنمله تحمل فوق ظهرها أكثر من حجمها ، وتتسلق الشجره صاعدة ، سقط الحمل إلي الأرض ، عادت مسرعة لتحمله ، سقط ثانيا عاودت الكرة ، نظرت أمه إليه بحنان ولم تنبت ببنت شفة ، تبسم وهو يقبل جبينها ويحيطها بذراعيه ،
حين عاد حاملا لشهادته ، وجدها في إنتظاره لترقيه ، جلس هادئا وقد بدأت تتمتم بأدعيتها ورائحة البخور تلف المكان ، قبلت رأسه في حنان وهي توصيه بأهل بلدته ، قبل يدها قبل أن يقوم ليصلي ركعتين شكر لله ، رمقته بحب وهي تحضر له طعامه ، حين رفع من سجوده شعر بدبيب علي رقبته ، مد يده أمسك بها ، بعدما إنتهى من صلاته ، أفلتها من بين أصابعه علي كف يده ، نظر إليها في حيرة ، أيطلقها أم يفركها بين أصبعيه فيقتلها ، كانت تتحرك علي كف يده في حيرة ، تناهي إلي سمعه صوت أمه تناديه ، وضع يده علي الأرض ، أسرعت هاربة ، أما هو فقد شعر براحه وهو يتجه صوب صوت أمه ملبيا ندائها .
تمت
رائع انت يانبوى
ردحذفالنمله هى المغزى والمحرك له
الصمود ال>ى اكتسبه منها مقاومة الم الحب كان كمقاومة الم القرصه مع الفارق
اجدت الرط بين علاقة الابن والام والمستقبل
التحرر من سيطرة اى شىء يعود فضله للصمود وللنمله
اشكرك
مجرد حُلم