وقفت تنظر من نافذة الحافله التي تقلها يوميا في طريقها للمدرسه وقد طال وقوفهم ، لمحت علي البعد وجوههم البغيضه المكفهره وهم يدفعون بسائق الحافلة أمامهم ويركلونه وهو يحاول جاهدا أن يتقي ضرباتهم بكلتا يديه وهرولته بقدميه التي لا تكادان تحملانه ، سقطت علي خدها دمعه وهي تتابع أهات الشيخ سائق الحافله وهو يقترب من الباب متمتما بعبارت الإنصياع وورائه ثلاثه جنود مدججين بالسلاح ينعتونه بأفظع الشتائم التي ينطقونها بعربيه غير واضحه وهم يتغامزون ويتضاحكون ، حين وثب إلي الحافله وقف أحدهم علي الباب وهو يدق دقات عنيفه طالبا منه سرعة الانصراف فالمعبر اليوم مغلقا.
لم تكن المرة الأولي التي يعودون فيها أدراجهم لكن اليوم كان مختلفا لسناء فقد ظهرت نتيجة الفصل الدراسي الأول وكانت الأولي وسيتم تكريمها اليوم مع المتفوقين ، كانت تحلم بهذا التكريم وتحاول ألا تنسي ما وعدتهم به مدرسة الفصل من جوائز ، طار قلبها فرحا حين عرفت أن الدمية التي حلمت بها أصبحت من نصيبها ، لكن هاهم يقفون حائلا بينها وبين تحقيق حلمها الذي أنتظرته طويلا ، كتمت صوت بكائها وإن لم تستطع منع دمعها من شق طريقة عبر وجنتيها طوال طريق العودة .
رغم مرور عدة سنوات إلا أن سناء لم تكن تفارق دميتها حتي وهي تكاد تعبر بوابة الأنوثه الكامله بسنواتها السبعة عشر ، في معظم الليالي كانت تصعد علي سطح البيت مع دميتها وتحادثها تحت ضوء القمر تشتكي لها ، وتحكي لها عن رفيقاتها في الدراسة، عن همومها وأحلامها ،وعن رفيقتها التي أستشهدت بنيرانهم أمام عينيها، ذكرياتها بحلوها ومرها ، وكثيرا ما كانت تغلبها دموعها وهي تتذكر أخيها الشهيد الذي فارقهم وهو يشارك في خلايا المقاومة ، وتتذكر أن أمها يومها وزعت الحلوى علي أبناء الحي ، ودموعها تخالط ضحكاتها المكلومه ، من يومها أصبحت وحيدة ، بعدما عصر الحزن قلب أمها فأنزوت مع دموعها ،تعمل في البيوت لتستطيع أن تعيل نفسها وإبنتها بعدما فقدت الزوج والأبن .
ذات صباح وضفائرها تتراقص فوق ظهرها في طريقها إلي الجامعة لمحته ، طويل القامة حاد الملامح ، ورغم ذلك تشعر أنه ودود ، إبتسم حين تقابلت أعينهما ، كانت إبتسامته علي جمالها غارقة في حزن قفز عبر سياج قلبها الذي عايش الحزن سنينا ،نظرت إلي الارض في خجل بعدما شعرت بتورد وجنتيها ، عبرته وعينيها مغروسة في الأرض ، وإن كانت تتمني لو تستطيع أن تعاود الألتفات لتعانق عينيها أبتسامته ، أمضت يومها ساهمه لا تستطيع صورته أن تفارق مخيلتها ، أملت أن يبتسم الحظ لها من جديد وتراه في الغد .
بقت على أملها في لقائه أياما حتي بدأ اليأس يتسرب إليها ، في طريق عودتها اليومي ، لفت أنتباهها جمهرة من الشباب يحتفلون ، حين أقتربت وجدته بينهم يتلقي التهاني ، إلتفت إليها فرحا لكنه لم يقل شيئا ، فهمت من تناثر بعض الكلمات أنه قد أفرج عنه اليوم بعدما أحتجزتة قوات الإحتلال عدة أيام ، حين وصلت لحجرتها كان قلبها يطير فرحا ألقت بكتبها وأخذت ترقص وتدور في حلقات ، أغمضت عينيها وحلقت كفراشة ، لم تشعر بسعادة مثلما شعرت في ذاك اليوم.
صباح اليوم التالي كانت على موعد مع الفرح ، أقترب منها في أدب مستأذنا أن يصطحبها إلي الجامعة ، لم ترد ، لكن أبتسامة الخجل التي أرتسمت علي شفتيها وهي تنظر إلي الأرض كانت كافية ليسير بجوارها مفكرا ، قطع الصمت بسؤالها عن دراستها ، تطايرت الأحرف من بين شفتيها وهي ترد بإقتضاب ، شعر بخفقان قلبها وأرتباكها ، صمت قليلا قبل أن يبدأ في متابعة حديثة هذه المرة عن نفسة ، كانت تستمع إليه بكليتها تحولت كلها إلي أذن شغفة تود أن تعرف عنه كل شيء ، أفاض في حديثة عن نفسة وأسرته التي يعولها كونه الأبن الأكبر ، وعن ظروفة وعدم تمكنه من إستكمال دراستة ، ظل يتحدث وهي منصتة ، شجعها حديثة علي أن تنظر إلية ، تلاقت أعينهما ، شعرت بذات القشعريره في جسدها حين رأته للمرة الأولي ، إبتسم وهو يكمل حديثة إليها واصفا إياها بأنها أجمل من وقعت عليه عيناة طوال عمرة ، أحمرت وجنتاها أكثر ، وشعرت بأن قلبها سيقفز من مكانة ، وعاودت النظر إلي الأرض ، كانا قد وصلا ودعتة بإبتسامة وهرولت مسرعة .
علي مدار الأيام كانت قصة الحب التي بدأت بنظرة قد أكتمل نسيجها ، ولم يعد أحدهما يتصور حياته دون الأخر ، لكنها كانت تستشعر أن هناك شيئا دوما يشغلة ، سألته مرة لكنه لم يجب ، وأحترمت هي خصوصيتة ، فاجئها بسؤال عن ردة فعلها إذا حدث له مكروه ، أسرعت تضع يدها علي فمة قبل أن يكمل ، لثم يدها وهو يبتسم ، سحبتها بسرعة وهي تحاول أن تظهر له غاضبها ، أستفسرت عن سبب سؤالة ، تردد قبل أن يبوح لها ، يعلم أنه لا يستطيع أن يخفي عليها فهي أصبحت روحة التي لا يستطيع أن يخفي عليها حتى عدد أنفاسة ، تجهم وجهها حين أخبرها بأنه عضو في جماعة لمناهضة الأحتلال ، نظر إليها في تعجب شعرت بنظراتة تلومها وهو يعرف قصة أخيها ورغبتها دوما في أن تثأر له ، تهدج صوتها وهي تطلب منه أن تكون برفتة ، اذا ماتا ماتا سويا وإذا كتبت لهم السلامة تكون قد أشفت غليلها ممن قتلوا أخاها ، رفض طلبها متعللا بسرية المجموعة وعدم رغبتهم في ضم عناصر جدد خاصة إذا كانت عناصر نسائية ، غضبت وطلبت أن يوصلها إلي البيت.
مرت عدة أيام لم تخرج من بيتها ، شعر بقلق شديد ، وشعرت هي بأنها لا تستطيع أن تصمد أكثر علي عدم رؤيتة ، لكنها قاومت ، دق الباب أسرعت تفتح كان هو ومعه أمة أرتبكت ، لم تعرف ماذا تقول ، نادت علي أمها ، بعد تعارف سريع أختصر المسافات بطلبها للزواج ، شعرت بسعادة تغمرها ، قامت تحث الخطى خجلا وهي تنظر للأرض ، باركت أمها هذه الخطبة وقد لمحت حب أبنتها المتمكن من قلب الشاب الذي يجلس أمامها ، قبل أن يغادر هو وأمه كانا قد أتفقا علي كل ما يخص حفل العرس وحددا موعده،مع أول أيام العيد بعد أن ينتهي شهر رمضان، نادتها أمها كي تودعهما ، شعر ببرودة يدها التي سحبتها من بين يديه بسرعة وهي تنظر بطرف عينها إلي أمها ،
في صباح ذاك اليوم كانت الشمس تشع برقة وكأنها هي الأخري تشاركهم فرحة قدوم رمضان ، لم يكن يكدر صفو الحياة سوي أزدياد عدد جنود الأحتلال ، كعادتهم كلما أطل الشهر الكريم ، كانت تشعر بسعادة وهي تعلم أنه سيأتي ليتناول الفطور معهم بعدما غاب عنها أيام بسبب العمل خارج القدس ، وكانت تعد العدة لترافقه للصلاة في المسجد الأقصي كما كانت عادتها قبل ان يستشهد أخيها ، حين أقترب موعد الأفطار ، رقص قلبها فرحا وهي تسمع دقات الباب ، تبدلت ملامح وجهها وهي تري أمه واقفة بالباب ، أدخلتها والقلق يكاد يفترس قسماتها ، همست العجوز باكيه لقد قبضوا عليه ، لكنها ضمتها وهي تطمئنها بأنه سيعود كما هي عادتة ، وحاولت تتصنع أبتسامة وهي تقول هو فقط يريد أن يعرف قدر حبه في قلوبنا ، رفع الطعام كما وضع لم يمسه أحد ، حين غادرتهم العجوز أغلقت علي نفسها باب حجرتها، أحتضنت دميتها وبكت حتي سمعت الآذان هدأت نفسها قليلا كفكفت دمعها توضأت وحثت خطاها إلي المسجد الأقصى الذي لم يكن بعيدا من بيتها ،
في صباح اليوم التالي شعرت ببعض الإعياء من طول صلاتها وكثرة دعائها في ليلتها السابقة ، كانت قد أعتادت على البقاء في البيت ، لكثرة إغلاق الجامعه بسبب المظاهرات ضد قوات الإحتلال ، أطلت من نافذة البيت ، بعد ما سمعت صوت أطلاق أعيره ناريه ، صدمها مشهد الدم وسقوط القتلى ، رغم أعتيادها على تلك المواجهات ، إلا إنها لم تكن قريبة لهذا الحد ، تفجر غضبها ألما ودموعا ، شعرت إنها مكبلة ، أرتمت علي سريرها وهي تصرخ بلا وعى ، أتت أمها مسرعة ، أحتضنتها وهي تربت علي ظهرها ، أحتوتهما ظلمة المهانة ومرارة الظلم ، تماسكت قليلا وشريط الحزن يمر أمامها بكل قسوته ، كفكفت دمعها وهي تهمس لأمها ما قيمة حياتنا يا أمي .
قبل إنقضاء الشهر بعدة أيام وكعادة الصهاينة أفرج عن بعض المعتقلين ، وجدته يدق بابهم منهكا ، أحتضنته بعينيها ، أبتسم مستأذنا كي يطمئن أمه ، إلتفت إليها طالبا أن تعد له الإفطار بيديها ، مكثت باق اليوم تحاول أن تعد كل ماوقع تحت يديها من طعام ، لقدعاد ، وعادت معه رغبتها في العيش بعد أن كانت قد خاصمت الحياة ، حين جلسوا لتناول الأفطار مكثت تنظر إليه والفرحة تتراقص بعينيها ، قسوة السجن لم تنل من شموخه ، تعشق تلك النظرة المتحديه في عينيه ، لم يتحادثا طويلا لكن أعينهما قالت الكثير ، أستأذن مغادرا هو وأمه ، كان بحاجة لأن يستريح ،
مضت الأيام المتبقية من الشهر الكريم هادئة ، وكأن الحياة أرادت أن تعوضهما بعضا من قسوتها ، أقترب العيد وأقترب معه يوم زفافهما ، شظف العيش كان يجبرهما وغيرهما علي الأكتفاء بأبسط مظاهر الإحتفال ، وأقل تجهيزات العرس ، كان يحاول أن يجتهد في عمله ليوفر لعروسة حياة كريمة ولو في أيام زواجهما الأولى ، بالكاد كان يلحق بموعد الأفطار ، ثم يصطحبها لأداء الصلاة القيام بالمسجد الأقصى ، وكانت لا تنسي كل ليلة أن تذكرة أن يجتهد في الدعاء كي يجمعهما الله برحمتة وفضلة في بيت الزوجية ، كان ينظر إليها بحب ويبتسم وهو يؤكد لها أن هذا دعائة دوما ،
في ليلة ختم القرآن عمت المظاهرات محيط الأقصى فقد منع جنود الأحتلال الصلاة في المسجد وأحاطوه بمدرعاتهم ودباباتهم حاولت الجموع أختراق الحواجز ، وبدأ الجنود بإطلاق الرصاص ، تفرقت الجموع ، عادت معه كسيرة النفس دموعها تبلل وجنتيها ، نظر إليها بأسى وهو يتمتم سيدفعون الثمن ، حين دخلت حجرتها أحتضنت دميتها وجلست تفكر حتي غفت على سريرها.
في الصباح وجدته يدق الباب ، أتي ليودعها ويخبرها بأنه سيعود قبل الزفاف بيوم فلديه عمل خارج البلدة ، ودعته بأبتسامة ودعاء ، أمضت يومها وهاجسها ألا تستطيع الصلاة في المسجد اليوم أيضا ، بعد أن أفطرت ودعت أمها وأتجهت لتصطحب أحدي جارتها ، تكرر المشهد لكن المظاهرت كانت أعنف ، والأشتباكات بين الجنود والمتظاهرين كانت مباشرة ، تساقط القتلي من الطرفين وتناثرت الأسلحة ، وجدت أمامها بندقية آلية سقطت من أحد الجنود الذى فر هلعا ، إلتقطتها وهي تتلفت ، أخفتها بين طيات ملابسها وأفلت عائدة وهي ترتجف ، حين وصلت لحجرتها جلست تتفحصها ، كانت تعرف القليل عن الأسلحة ، علمها أخوها قبل أستشهادة ، كان يداعبها قائلا ربما بعد أن نحرر القدس سنحتاج إليكن في الجيش ، فكرت أن تهدي حبيبها تلك البندقية سيفرح بها كثيرا ، أخفتها تحت سريرها بجوار دميتها ،
في صباح اليوم التالي داهم جنود الأحتلال المنازل وقبضوا علي كل رجل وشاب وفتشوا البيوت ، حين دخلوا عليهن البيت صاحت أمها فيهم ولعنتهم لطمها كبيرهم ، هرولت إلي أمها تمسح عن وجهها الدم ، نظر إليهن بإذدراء وخرج وهو يتمتم ، حمدت الله أنهم لم يفتشوا البيت بعدما تأكدوا من خلوة من الرجال، همست أمها لماذا لم تتركيهم يقتلونني ، ما قيمة حياة الذل تلك التي نحاياها ، قبلت رأس أمها ونظرة تحد أرتسمت بعينيها ، كانت قد عزمت على شيء كتمته في صدرها ، باتت ليلتها مستيقظة لم يغمض لها جفن ، بعد أن تناولت سحورها وصلت ، أتجهت إلي غرفتها ، سحبت البندقية بهدوء من تحت سريرها، تفحصتها مليا ، إلتقطت دميتها ضمتها لصدرها ، أنتظرت حتي بزوغ أول ضياء للصبح ، تأكدت أن أمها نائمة، تسللت وهي تخفي تحت ملابسها البندقيه ، وبيدها الأخري أمسكت بدميتها ،
حين بدأت رحلتها التي كانت تشعر أنها الاخيرة ،ترائى لها طيف حبيبها مبتسما ، سرت في جسدها رعشة ، كانت الشوارع هادئة تكاد تكون خالية من المارة ، فاليوم أخر أيام شهر رمضان وكثيرين لم يذهبوا إلي أعمالهم ، حين إقتربت من محيط المسجد ، لاح لها تجمع لثلة من جنودهم بوجوههم البغيضة ، كانوا متحلقين يتناولون فطورهم ، أقتربت في خفة ، كان قلبها يدق بعنف ، وأختلاط أصوات القتلي بالأمس مع صوت دفوف العرس التي حلمت بها دوما يطن برأسها ، سحبت البندقيه من بين طيات ملابسها ، بدأت في أطلاق الرصاص ، هلع الجنود بعد أن سقط منهم ثلاث قتلي ، هرولوا وهو يطلقون نيران اسلحتهم في كل إتجاه ، كانت تلاحقهم ببندقيتها ، تمكن أحدهم من إصابتها سقطت علي الأرض ، لكنها كانت لا تزال تطلق نيران بندقيتهاصكانت ، عاجلها أخر بوابل من الرصاص ، إقترب منها الجنود بحذر ، كانت بلا حراك ودميتها بجوارها غارقة في الدم وأبتسامة وضاءة تنير وجهها .
تمت
لم تكن المرة الأولي التي يعودون فيها أدراجهم لكن اليوم كان مختلفا لسناء فقد ظهرت نتيجة الفصل الدراسي الأول وكانت الأولي وسيتم تكريمها اليوم مع المتفوقين ، كانت تحلم بهذا التكريم وتحاول ألا تنسي ما وعدتهم به مدرسة الفصل من جوائز ، طار قلبها فرحا حين عرفت أن الدمية التي حلمت بها أصبحت من نصيبها ، لكن هاهم يقفون حائلا بينها وبين تحقيق حلمها الذي أنتظرته طويلا ، كتمت صوت بكائها وإن لم تستطع منع دمعها من شق طريقة عبر وجنتيها طوال طريق العودة .
رغم مرور عدة سنوات إلا أن سناء لم تكن تفارق دميتها حتي وهي تكاد تعبر بوابة الأنوثه الكامله بسنواتها السبعة عشر ، في معظم الليالي كانت تصعد علي سطح البيت مع دميتها وتحادثها تحت ضوء القمر تشتكي لها ، وتحكي لها عن رفيقاتها في الدراسة، عن همومها وأحلامها ،وعن رفيقتها التي أستشهدت بنيرانهم أمام عينيها، ذكرياتها بحلوها ومرها ، وكثيرا ما كانت تغلبها دموعها وهي تتذكر أخيها الشهيد الذي فارقهم وهو يشارك في خلايا المقاومة ، وتتذكر أن أمها يومها وزعت الحلوى علي أبناء الحي ، ودموعها تخالط ضحكاتها المكلومه ، من يومها أصبحت وحيدة ، بعدما عصر الحزن قلب أمها فأنزوت مع دموعها ،تعمل في البيوت لتستطيع أن تعيل نفسها وإبنتها بعدما فقدت الزوج والأبن .
ذات صباح وضفائرها تتراقص فوق ظهرها في طريقها إلي الجامعة لمحته ، طويل القامة حاد الملامح ، ورغم ذلك تشعر أنه ودود ، إبتسم حين تقابلت أعينهما ، كانت إبتسامته علي جمالها غارقة في حزن قفز عبر سياج قلبها الذي عايش الحزن سنينا ،نظرت إلي الارض في خجل بعدما شعرت بتورد وجنتيها ، عبرته وعينيها مغروسة في الأرض ، وإن كانت تتمني لو تستطيع أن تعاود الألتفات لتعانق عينيها أبتسامته ، أمضت يومها ساهمه لا تستطيع صورته أن تفارق مخيلتها ، أملت أن يبتسم الحظ لها من جديد وتراه في الغد .
بقت على أملها في لقائه أياما حتي بدأ اليأس يتسرب إليها ، في طريق عودتها اليومي ، لفت أنتباهها جمهرة من الشباب يحتفلون ، حين أقتربت وجدته بينهم يتلقي التهاني ، إلتفت إليها فرحا لكنه لم يقل شيئا ، فهمت من تناثر بعض الكلمات أنه قد أفرج عنه اليوم بعدما أحتجزتة قوات الإحتلال عدة أيام ، حين وصلت لحجرتها كان قلبها يطير فرحا ألقت بكتبها وأخذت ترقص وتدور في حلقات ، أغمضت عينيها وحلقت كفراشة ، لم تشعر بسعادة مثلما شعرت في ذاك اليوم.
صباح اليوم التالي كانت على موعد مع الفرح ، أقترب منها في أدب مستأذنا أن يصطحبها إلي الجامعة ، لم ترد ، لكن أبتسامة الخجل التي أرتسمت علي شفتيها وهي تنظر إلي الأرض كانت كافية ليسير بجوارها مفكرا ، قطع الصمت بسؤالها عن دراستها ، تطايرت الأحرف من بين شفتيها وهي ترد بإقتضاب ، شعر بخفقان قلبها وأرتباكها ، صمت قليلا قبل أن يبدأ في متابعة حديثة هذه المرة عن نفسة ، كانت تستمع إليه بكليتها تحولت كلها إلي أذن شغفة تود أن تعرف عنه كل شيء ، أفاض في حديثة عن نفسة وأسرته التي يعولها كونه الأبن الأكبر ، وعن ظروفة وعدم تمكنه من إستكمال دراستة ، ظل يتحدث وهي منصتة ، شجعها حديثة علي أن تنظر إلية ، تلاقت أعينهما ، شعرت بذات القشعريره في جسدها حين رأته للمرة الأولي ، إبتسم وهو يكمل حديثة إليها واصفا إياها بأنها أجمل من وقعت عليه عيناة طوال عمرة ، أحمرت وجنتاها أكثر ، وشعرت بأن قلبها سيقفز من مكانة ، وعاودت النظر إلي الأرض ، كانا قد وصلا ودعتة بإبتسامة وهرولت مسرعة .
علي مدار الأيام كانت قصة الحب التي بدأت بنظرة قد أكتمل نسيجها ، ولم يعد أحدهما يتصور حياته دون الأخر ، لكنها كانت تستشعر أن هناك شيئا دوما يشغلة ، سألته مرة لكنه لم يجب ، وأحترمت هي خصوصيتة ، فاجئها بسؤال عن ردة فعلها إذا حدث له مكروه ، أسرعت تضع يدها علي فمة قبل أن يكمل ، لثم يدها وهو يبتسم ، سحبتها بسرعة وهي تحاول أن تظهر له غاضبها ، أستفسرت عن سبب سؤالة ، تردد قبل أن يبوح لها ، يعلم أنه لا يستطيع أن يخفي عليها فهي أصبحت روحة التي لا يستطيع أن يخفي عليها حتى عدد أنفاسة ، تجهم وجهها حين أخبرها بأنه عضو في جماعة لمناهضة الأحتلال ، نظر إليها في تعجب شعرت بنظراتة تلومها وهو يعرف قصة أخيها ورغبتها دوما في أن تثأر له ، تهدج صوتها وهي تطلب منه أن تكون برفتة ، اذا ماتا ماتا سويا وإذا كتبت لهم السلامة تكون قد أشفت غليلها ممن قتلوا أخاها ، رفض طلبها متعللا بسرية المجموعة وعدم رغبتهم في ضم عناصر جدد خاصة إذا كانت عناصر نسائية ، غضبت وطلبت أن يوصلها إلي البيت.
مرت عدة أيام لم تخرج من بيتها ، شعر بقلق شديد ، وشعرت هي بأنها لا تستطيع أن تصمد أكثر علي عدم رؤيتة ، لكنها قاومت ، دق الباب أسرعت تفتح كان هو ومعه أمة أرتبكت ، لم تعرف ماذا تقول ، نادت علي أمها ، بعد تعارف سريع أختصر المسافات بطلبها للزواج ، شعرت بسعادة تغمرها ، قامت تحث الخطى خجلا وهي تنظر للأرض ، باركت أمها هذه الخطبة وقد لمحت حب أبنتها المتمكن من قلب الشاب الذي يجلس أمامها ، قبل أن يغادر هو وأمه كانا قد أتفقا علي كل ما يخص حفل العرس وحددا موعده،مع أول أيام العيد بعد أن ينتهي شهر رمضان، نادتها أمها كي تودعهما ، شعر ببرودة يدها التي سحبتها من بين يديه بسرعة وهي تنظر بطرف عينها إلي أمها ،
في صباح ذاك اليوم كانت الشمس تشع برقة وكأنها هي الأخري تشاركهم فرحة قدوم رمضان ، لم يكن يكدر صفو الحياة سوي أزدياد عدد جنود الأحتلال ، كعادتهم كلما أطل الشهر الكريم ، كانت تشعر بسعادة وهي تعلم أنه سيأتي ليتناول الفطور معهم بعدما غاب عنها أيام بسبب العمل خارج القدس ، وكانت تعد العدة لترافقه للصلاة في المسجد الأقصي كما كانت عادتها قبل ان يستشهد أخيها ، حين أقترب موعد الأفطار ، رقص قلبها فرحا وهي تسمع دقات الباب ، تبدلت ملامح وجهها وهي تري أمه واقفة بالباب ، أدخلتها والقلق يكاد يفترس قسماتها ، همست العجوز باكيه لقد قبضوا عليه ، لكنها ضمتها وهي تطمئنها بأنه سيعود كما هي عادتة ، وحاولت تتصنع أبتسامة وهي تقول هو فقط يريد أن يعرف قدر حبه في قلوبنا ، رفع الطعام كما وضع لم يمسه أحد ، حين غادرتهم العجوز أغلقت علي نفسها باب حجرتها، أحتضنت دميتها وبكت حتي سمعت الآذان هدأت نفسها قليلا كفكفت دمعها توضأت وحثت خطاها إلي المسجد الأقصى الذي لم يكن بعيدا من بيتها ،
في صباح اليوم التالي شعرت ببعض الإعياء من طول صلاتها وكثرة دعائها في ليلتها السابقة ، كانت قد أعتادت على البقاء في البيت ، لكثرة إغلاق الجامعه بسبب المظاهرات ضد قوات الإحتلال ، أطلت من نافذة البيت ، بعد ما سمعت صوت أطلاق أعيره ناريه ، صدمها مشهد الدم وسقوط القتلى ، رغم أعتيادها على تلك المواجهات ، إلا إنها لم تكن قريبة لهذا الحد ، تفجر غضبها ألما ودموعا ، شعرت إنها مكبلة ، أرتمت علي سريرها وهي تصرخ بلا وعى ، أتت أمها مسرعة ، أحتضنتها وهي تربت علي ظهرها ، أحتوتهما ظلمة المهانة ومرارة الظلم ، تماسكت قليلا وشريط الحزن يمر أمامها بكل قسوته ، كفكفت دمعها وهي تهمس لأمها ما قيمة حياتنا يا أمي .
قبل إنقضاء الشهر بعدة أيام وكعادة الصهاينة أفرج عن بعض المعتقلين ، وجدته يدق بابهم منهكا ، أحتضنته بعينيها ، أبتسم مستأذنا كي يطمئن أمه ، إلتفت إليها طالبا أن تعد له الإفطار بيديها ، مكثت باق اليوم تحاول أن تعد كل ماوقع تحت يديها من طعام ، لقدعاد ، وعادت معه رغبتها في العيش بعد أن كانت قد خاصمت الحياة ، حين جلسوا لتناول الأفطار مكثت تنظر إليه والفرحة تتراقص بعينيها ، قسوة السجن لم تنل من شموخه ، تعشق تلك النظرة المتحديه في عينيه ، لم يتحادثا طويلا لكن أعينهما قالت الكثير ، أستأذن مغادرا هو وأمه ، كان بحاجة لأن يستريح ،
مضت الأيام المتبقية من الشهر الكريم هادئة ، وكأن الحياة أرادت أن تعوضهما بعضا من قسوتها ، أقترب العيد وأقترب معه يوم زفافهما ، شظف العيش كان يجبرهما وغيرهما علي الأكتفاء بأبسط مظاهر الإحتفال ، وأقل تجهيزات العرس ، كان يحاول أن يجتهد في عمله ليوفر لعروسة حياة كريمة ولو في أيام زواجهما الأولى ، بالكاد كان يلحق بموعد الأفطار ، ثم يصطحبها لأداء الصلاة القيام بالمسجد الأقصى ، وكانت لا تنسي كل ليلة أن تذكرة أن يجتهد في الدعاء كي يجمعهما الله برحمتة وفضلة في بيت الزوجية ، كان ينظر إليها بحب ويبتسم وهو يؤكد لها أن هذا دعائة دوما ،
في ليلة ختم القرآن عمت المظاهرات محيط الأقصى فقد منع جنود الأحتلال الصلاة في المسجد وأحاطوه بمدرعاتهم ودباباتهم حاولت الجموع أختراق الحواجز ، وبدأ الجنود بإطلاق الرصاص ، تفرقت الجموع ، عادت معه كسيرة النفس دموعها تبلل وجنتيها ، نظر إليها بأسى وهو يتمتم سيدفعون الثمن ، حين دخلت حجرتها أحتضنت دميتها وجلست تفكر حتي غفت على سريرها.
في الصباح وجدته يدق الباب ، أتي ليودعها ويخبرها بأنه سيعود قبل الزفاف بيوم فلديه عمل خارج البلدة ، ودعته بأبتسامة ودعاء ، أمضت يومها وهاجسها ألا تستطيع الصلاة في المسجد اليوم أيضا ، بعد أن أفطرت ودعت أمها وأتجهت لتصطحب أحدي جارتها ، تكرر المشهد لكن المظاهرت كانت أعنف ، والأشتباكات بين الجنود والمتظاهرين كانت مباشرة ، تساقط القتلي من الطرفين وتناثرت الأسلحة ، وجدت أمامها بندقية آلية سقطت من أحد الجنود الذى فر هلعا ، إلتقطتها وهي تتلفت ، أخفتها بين طيات ملابسها وأفلت عائدة وهي ترتجف ، حين وصلت لحجرتها جلست تتفحصها ، كانت تعرف القليل عن الأسلحة ، علمها أخوها قبل أستشهادة ، كان يداعبها قائلا ربما بعد أن نحرر القدس سنحتاج إليكن في الجيش ، فكرت أن تهدي حبيبها تلك البندقية سيفرح بها كثيرا ، أخفتها تحت سريرها بجوار دميتها ،
في صباح اليوم التالي داهم جنود الأحتلال المنازل وقبضوا علي كل رجل وشاب وفتشوا البيوت ، حين دخلوا عليهن البيت صاحت أمها فيهم ولعنتهم لطمها كبيرهم ، هرولت إلي أمها تمسح عن وجهها الدم ، نظر إليهن بإذدراء وخرج وهو يتمتم ، حمدت الله أنهم لم يفتشوا البيت بعدما تأكدوا من خلوة من الرجال، همست أمها لماذا لم تتركيهم يقتلونني ، ما قيمة حياة الذل تلك التي نحاياها ، قبلت رأس أمها ونظرة تحد أرتسمت بعينيها ، كانت قد عزمت على شيء كتمته في صدرها ، باتت ليلتها مستيقظة لم يغمض لها جفن ، بعد أن تناولت سحورها وصلت ، أتجهت إلي غرفتها ، سحبت البندقية بهدوء من تحت سريرها، تفحصتها مليا ، إلتقطت دميتها ضمتها لصدرها ، أنتظرت حتي بزوغ أول ضياء للصبح ، تأكدت أن أمها نائمة، تسللت وهي تخفي تحت ملابسها البندقيه ، وبيدها الأخري أمسكت بدميتها ،
حين بدأت رحلتها التي كانت تشعر أنها الاخيرة ،ترائى لها طيف حبيبها مبتسما ، سرت في جسدها رعشة ، كانت الشوارع هادئة تكاد تكون خالية من المارة ، فاليوم أخر أيام شهر رمضان وكثيرين لم يذهبوا إلي أعمالهم ، حين إقتربت من محيط المسجد ، لاح لها تجمع لثلة من جنودهم بوجوههم البغيضة ، كانوا متحلقين يتناولون فطورهم ، أقتربت في خفة ، كان قلبها يدق بعنف ، وأختلاط أصوات القتلي بالأمس مع صوت دفوف العرس التي حلمت بها دوما يطن برأسها ، سحبت البندقيه من بين طيات ملابسها ، بدأت في أطلاق الرصاص ، هلع الجنود بعد أن سقط منهم ثلاث قتلي ، هرولوا وهو يطلقون نيران اسلحتهم في كل إتجاه ، كانت تلاحقهم ببندقيتها ، تمكن أحدهم من إصابتها سقطت علي الأرض ، لكنها كانت لا تزال تطلق نيران بندقيتهاصكانت ، عاجلها أخر بوابل من الرصاص ، إقترب منها الجنود بحذر ، كانت بلا حراك ودميتها بجوارها غارقة في الدم وأبتسامة وضاءة تنير وجهها .
تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق