الأربعاء، 27 مايو 2009

قهوة عصفور


حين سمع الحاج بركات بنية المعلم بكر عصفور هز رأسه في غضب ودق بعصاته علي الأرض عدة دقات وهو يترحم علي روح الحاج عصفور ،، أشار بيده لأحد الصبيه كي يحضر له بكر ،، لم تمض لحظات ألا وقد حضر بكر بصوته الجهوري وعبارته التي لاتفارقها البسمة ،، سلم علي سيد المعلمين كما كان يحلو له منادة الحاج بركات فرك يديه وهو ينظر إليه منصتا ، نظر إليه الحاج بركات وقد ظهر الغضب علي محياه ، همس بكر خير يا سيد المعلمين ، رد بركات وهو يحاول ان يكبت غضبه ومن أين سيأتي الخير ، هل صحيح ما سمعته من أنك ستحضر للقهوة بنت للعمل ، أومئ بكر برأسه وهو يهم بالدفاع عن قراره ، لم يمهله الحاج بركات ،أردف وهل الحاج عصفور رحمة الله عليه كان سيرضي بهذا ، أطرق بكر للأرض ولم رد ،
كان قد وقر في عقل بكر أنه لكي تتحول قهوة عصفور إلي كافتريا سياحيه تدر عليه الكثير فلابد من إحداث تغيرات جذريه كان أبوه يعارضه في تنفيذها ، وكانت أولي تلك الخطوات بعد أضافة أنشطه أخري غير المشروبات العاديه والشيشه ، كالحلويات والمثلجات والعصائر الطازجه ، هو أن يضيف روح للمكان وشكل انيق ، وقد رأي ان هذا لن يتأتي الا بتعيين فتيات للعمل في الأقسام الجديده وتقديم الحلويات والأيس كريم ، لكنه وبعد حديثه مع الحاج بركات تريث فهو لا يعلم كيف ستسير الامور وهو بعد أن أرتاح للفكره لم يجد من توافق علي العمل في الفتره المسائيه التي تمتد إلي الفجر فأكتفي بياسمين تلك الفتاه الهادئه والتي شعر بجديتها من أول يوم تقدمت فيه للعمل .
لم تكن ياسمين تسمح لأحد بتجاوز حدود كانت قد وضعهتا قبل أن تستلم عملها ، سواء من زبائن القهوة التي تحولت علي يد بكر إلي كافتريا تقدم الأيس كريم ، والحلويات الأفرنجيه ، وأطباق الحلوي الشرقيه بجانب الشيشه والشاي والقهوه والسحلب ، او حتي من زملائها وعلي رأسهم بكر الذي كان كثيرا ما يطيل النظر إليها وهو يقارن بينها وبين أم عياله ، لكنها سرعان ما كانت تسرع حامله إليه قهوته وهي تنظر إليه نظره كانت تجعله يرتبك وهو يداري خجله وكأنه تلميذ ضبط وهو يغش ، وكانت حركة يده التي تمتد لملابسه لهندمتها دون داع تشي بمكنون أفكاره ، فيقوم من فوره وهو يصيح بصوته الجهوري مناديا علي أحد صبيان القهوه ليوبخه بلا سبب ،
كانت أشهر الصيف علي الأبواب ، وهي أشهر تكتظ فيها القهوة بمرتاديها حتي ساعات الصباح الأولي ، ويكثر فيها الرزق والعمل ، ولعلم بكر بأن يا سمين لن توافق علي العمل لوقت متأخر فقد وافق علي تعيين سعد أبن اخت الحاج بركات كبير المنطقه في الكافتريا بمجرد أن إنتهي من أمتحانات الكليه ، ليأخذ مكان ياسمين في العمل المسائي ، وسرعان ما أثبت سعد جدارته بالعمل وجديته ، فكسب ثقة المعلم بكر وإحترام زملائه وقلب ياسمين التي كانت تكتشف كل يوم جانب من جوانب الجمال والرجوله التي يتمتع بها ، لكنها كانت متحفظه في أبداء مشاعرها حريصة في تعاملها معه ، هو أيضا لفت أنتباهه جديتها وأخلاقها قبل ان يجذبه جمالها الهادئ ، لكنه تريث في مصارحتها بمشاعره .
كانت سعادة بكر لا توصف وهو يري حلمه ينمو وإيردات الكافتريا تتضاعف والزبائن يتزايدون بعدما أشتهر المكان بما كان يقدمه من حلويات أصبحت تعد في ملحق خلف القهوه ويشرف عليها بكر بنفسه ، أو ياسمين في حال عدم تواجده ، لم يكن لطموح بكر حد ، كان يحلم بإفتتاح أفرع للكفتريا ، كانت أشهر الصيف قد قاربت علي الأنتهاء ، فأستأذن سعد منه أن يجد بديلا له لأنه سيعود لكليته فهو السنه النهائيه ، لمح سعد نظرة حزن بعين ياسمين ، فقررأن يتأكد من مشاعرها قبل أن يرحل عن المكان ، تنحي بها جانبا وقبل أن يتفوه بكلمه أخبرته نظراتها عن قدر الحب الذي تكنه له ، تعانقت نظراتهما للحظات ، قبل أن تهمس سأنتظرك ، مد يده إليها ليودعها ، أطبق علي يديها بيديه ، سحبتها في خجل وهي تهم بالعوده لمكانها في العمل ، تراقصت بعينيها دموع الفرح..
لم تحمل الأيام التاليه جديدا سوي إن الأقبال قد قل بأنتهاء موسم الصيف ، مما حدا ببكر إلي عدم الإستعانه بأحد مكان سعد ، اما سعد فقد واظب علي الحضور أسبوعيا لكن هذه المره كضيف يجالس بكر ويختلس من آن لأخر النظر إلي ياسمين ، في غفلة من بكر، حاول مره أن يدعوها للخروج معه ، لكن نظرة عتاب واحده منها جعلته لا يفكر في تكرار طلبه ، أما بكر فقد كان ذهنه مشغولا بقرار كان قد تراجع عنه عدة مرات ، لكنه أستجمع شجاعته في ليلة هادئه لم يكن هناك الكثير من الزبائن وانتحي في أحد الاركان علي طاوله منفرده بعدما أرسل في طلب ياسمين ، حين حضرت أشار لها أن تجلس ، حين أنتهي من كلامه ، كانت مرتبكه وهي لا تدري ماذا تقول له ، لم تتصور يوما أنه سيطلب يدها وهي التي تعتبره والدا لها لفارق السن بينهما ، ولعلمها بأنه متزوج ، سعل مرتين قبل ينقذها بقوله ، فكري انا لا أريد ردك الأن ، لكن لتعلمي أنني ساجعلك أسعد أنسانه في الوجود ، لملمت خجلها وحيرتها و وقامت صامته ،
مرت ثلاثة أيام لم تستطع خلالها أن تحضر للعمل ، لكن تلك الأيام كانت كفيله بأيصال ردها إلي بكر ، فأرسل لها كي تحضر ، لم يناقشها في الموضوع بل تبسم باسي وهو يسألها أن كانت تود الأستمرار في عملها أم إنها قد وجدت عملا أخر ، لم ترد فقام وربت علي كتفها وهو يهمس أعملي بجد كما كنت دوما وتناسي ما حدث ، نظرت إلي الأرض ولم تنطق ، أصبح بكر لا يحضر كثيرا كما كان ، وتحملت ياسمين مسؤلية الكافتريا كاملة ، وأصبحت تتابع كل شيء بنفسها ، دون كلل أو تذمر ، أما اليوم الذي كان يحضر فيه سعد فقد كان عيدا وكان النشاط يدب في أوصالها ، فتتنقل من مكان لأخر بخفة وكأنها فراشة ، كل من بالكافتريا كان سعيدا بها ويساندها ، ولم يكن أحد ليرفض لها طلبا ، حين طلبت أن تجرب صنع صنف جديد من الحلويات ، أفسح الجميع لها المكان وقفت تعمل بسعاده ، وهي تجهل ما يخفيه لها القدر ، شبت النار في المكان ، أسرع الكل بالخروج ، تعثرت ووقعت طالت النار وجهها .
حين أفاقت في المستشفي لمحت أمها بجوارها ، أغرورقت عيناها بالدموع وهي تستشعر الألم حين مدت يدها لوجهها المغطي بكامله ،تحركت عيناها ببطء ، لمحت سعد وبكر جالسين ، كان الحزن يغطي قسمات وجهيهما ، ربتت امها علي يدها وهي تتمتم بالدعاء ، اما هي فقد كانت عاجزه عن الكلام ، والضمادات التي لم تظهر من الوجه سوي العينين ، حين قام ودعها الأثنان وخرجا ، انصتت لصوت دعاء أمها قبل أن تغيب عن الوعي .
قبل إكتمال الشهر كانت قد تعافت ، الطبيب أخبرها بحاجتها لعملية تجميل ، بعد أن تشوه جانب وجهها ، أعتراها الحزن وهي تعلم أنها ليست قادره علي تكاليف العمليه وهي اليتيمه التي ترعي أمها ، وبالكاد يكفيهم الراتب الذي كانت تتقاضاه ، أما سعد فقد شعر بالعجز وهو يري حاجتها ولا يقدر علي مساعدتها ، كانت يا سمين تستشعر أنها فقدت وظيفتها فكيف ستواصل عملها بهذا الوجه ، وهذا كان يزيد من حزنها ، لكنها فوجئت بالطبيب يطلب منها الأستعداد لعمل العمليه ، لم تكد تصدق فأجهشت بالبكاء ، قرأ في وجهها السؤال ، تبسم الطبيب وهو يقول ليس مهما من دفع المهم أن تعودي لنا بالسلامه ، حين لمح أصرارها قال في إقتضاب بكر لقد تكفل بكل شيء ، دمعت عيناها وقد أطرقت للأرض ،
مرت الأيام ثقيله وهي تنتظر عودة وجهها لما كان عليه ، تعددت العمليات وطالت ليال الألم والإنتظار ، لم يكن يخففها سوي إطلالة سعد ، والتي كانت تحدث علي اوقات متباعده برره بأنشغاله بالأمتحانات، لكن ما كانت تعجب منه ولم تجرؤ أن تسأل سعد عنه ، هو إنقطاع بكر عن زيارتها ، كانت مشاعرها ممزقه بين حبها لسعد ومشاعر الشفقه و العرفان لبكر ، عمق هذا الشعور إبتعاد سعد قليلا وإنشغاله عنها ، لكن الأمل في شفائها وعودة وجهها كما كان جعلها تصبر وتتحمل ، وكم كانت دهشتها حين كشف الطبيب عن وجهها للمره الأخيره بعد أن أنهي كل عمله ، لقد أصبحت أجمل مما كانت قبل تعرضها للحادث ، بكت وهي تبتهل بالدعاء شكرا لله هي و أمها التي كاد قلبها ان يطير فرحا بما صارت عليه ابنتها ، وقبل أن تبدأ في حزم حقيبتها لترحل بعد أن امضت شهورا في المستشفي ، وجدت بكر أمامها مصطحبا شيخ وقور ظنته أبيه أو عمه ، اقتربت منه وهي لا تدري بأي كلمات تستطيع أن تشكره ، لكنه اشار إلي الشيخ وهو يهمس اشكري عمك الحاج بركات ، هو من قام بدفع كل التكاليف ، هوت علي يده لتقبلها ، متدت يده برفق لترفع وجهها وأبتسم وهو يقول ، هل لي أن أطلب منك شيئا ، ردت بسرعه بل أنت تأمر ياحاج ، قال هل تقبلي بالزواج من ابن أختي سعد ، احمر وجهها خجلا وهي تداري فرحة شملت كل جسدها ونظرت إلي الارض ، رفع بركات يده وهو يصيح أذن لنقرأ الفاتحه .
كان سعد منشغلا بإمتحاناته ، لكنه كان يعلم بترتيبات خاله بركات الذي وعده أن يحقق له رغبته شريطه أن يهتم هو بمستقبله ، بعد أسبوع كان لقاء الجميع في بيت ياسمين ، وبعد إعلان الخطبه رسميا وقف بكر صائحا وهو يقول لن أوافق علي هذا الزواج حتي تعدني يا سعد أن تكون حفلة الزواج في القهوه عندي ، نظر سعد لبركات الذي أومئ موافقا ، فقام سعد إلي بكر ليحتضنه وهو يردد وهل هناك أجمل من قهوة عصفور لكي أبدأ منها حياتي
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق