الأربعاء، 27 مايو 2009

طيف الغريب



كنت قد سئمت العمل يوميا لوقت متأخر ومن ثم التوجه الي مكتبتي الصغيره بالمنزل لمعانقة أحد الكتب حتي موعد نومي الذي يحين بعد صلاة الفجر,، لذا فقد قررت أن أعطي لنفسي عطلة إجباريه لأكسر حاجز الملل الذي كان قد بدأ يحيط بي ، حين إستيقظت صباحا كنت قد نسيت ما عزمت عليه بالأمس ، أغتسلت تناولت قهوتي وأنا أرتدي ملابسي مسرعا ، وذهني منشغل بما سأفعله بالعمل كالعاده ! عند إقترابي من الباب لمحت صورتي بالمرآه ، ذكرتني علامات الإجهاد علي قسمات وجهي بما كنت أنتويته أمس ، أرتسمت علي وجهي إبتسامة رضا وأنا أتوجه لسيارتي لبدأ عطلتي ،
قدت علي غير هدى كنت أتوق لممارسة أقصي درجات الحريه والتمرد ، لم أحاول أن أخطط للقيام بشئ محدد ، شعرت بأني بحاجه للأنطلاق دون خطط مسبقه كالتي أضعها كل يوم لعملي ، شعرت براحة وأنا أنطلق في طريقي دون أن يكدر صفو تفكيري أي مشاغل أو هموم
إلتفت بعفويه لسيارة تسير بجوار سيارتي ، لمحت شخص متجهم يقود بجديه وبجوارة سيدة تثرثر ، ينظر إليها بضيق من حين لأخر ، تخيلت الحوار بينهما ،يبدو أنهما زوجان ، تلومه في عصبيه وهي تشيح بيدها ، ربما قلة أهتمامه بها وبطلباتها ، تطرق برأسها ، وهي تتمتم يبدوا أنها تذكره بأيام الخطوبه وكيف كان يعاملها ويلبي طلباتها حتي قبل أن تطلبها ، يغمغم بكلمات تشي قسماته بغضبه ، وكأن لسان حاله يقول وهل أنت هي التي خطبتها يوما ؟،
حين إلتفت للمره الثانيه كانت إبتسامه هادئه تعانق شفتيها ، وهي تهم بأطعامه بيديها ، تغيرت نظرتي للأمور ، يبدوا إنهما عاشقان يحلمان ويعيشان قصة حب بجميع متناقضاتها ، تجاوزتهما بسيارتي ، لم يمض وقت طويل حتي وجدتني بمحاذة شاحنة عملاقة يقودها سائق مفتول العضلات ، يتملل في جلستة من آن لأخر ، يطلق بوق التنبيه بسبب وبدون ، حاولت أن أتخطاه ، رمقني بنظرة غاضبه وهو يسرع أكثر ، هدأت من سرعتي وأنا أبتسم له في ود مفسحا الطريق له ، نظر في تعجب وقد راقة ما صنعت ، أشار لي بيده كي أمر .
فجأه وجدتني بمحازة الكورنيش ، أغمضت عيناي لبرهة وأنا أستنشق الهواء بعمق ، كانت أشعة الشمس تخترق الأمواج برقة ، والزرقة التي تنعكس علي صفحة الماء تبعث في نفسي سكينة ، فكرت أن أترجل من سيارتي ، لكنني تراجعت في اللحظه الأخيره ، كنت مستمتعا بإنطلاقتي ، لكن حين لمحته وهو يعبر الطريق مشيرا بعصاته ، أبطأت من سرعة السيارة ، وأنا أستعد للتوقف ، عدت مسرعا إليه ، أمسكت بذراعه وأكملت معه عبور الطريق ، ثم أجلسته علي كرسي بمواجهة البحر، تبسم وهو يشكرني ، وهمس مازحا أنت فاكرني أعمي ، ربت علي كتفه وأنا أسأله اذا كان بحاجه لشيء ،لا أعرف أين تقابلنا قبلا لكني كنت علي ثقة بأنني إلتقيته قبلا بعدما إبتعدت عدة خطوات وجدتني أتوقف ، عدت أدراجي لأجلس بجواره وقد أستشعرت بأنه بحاجه لأنيس ، جلست بجواره وربت علي ظهره ، هز رأسه في رضا ورفع رأسه وكأنه ينظر إلي الأفق ، رغم النظاره السوداء التي كانت تغطي عينيه ، شعرت بإبتسامه تحاول أن تعانق شفتيه ، ساد صمت لبضع دقائق ، كنت خلالها أفكر لماذا توقفت ؟ ولماذا جلست معه ، قطع الصمت بسؤاله عن حالة الموج ، قبل أن اجيب أستطرد أظنه عاليا الهواء شديد اليوم ، أومئت موافقا وكأنه يراني ، ثم سألته هل تأتي إلي هنا كل يوم ، هز رأسه في نشوة وهو يجيب كل يوم ، ثم أردف ألم نتقابل قبل اليوم اشعر بأن صوتك ليس بغريب علي أذني ،
مرت لحظات صمت قطعها بصوته الذي بدا ودودا ، وهو يعرفني بنفسه ، ثم أردف كنت أعمل طبالا في إحدي الفرق ، لكني الآن تبت والحمد لله ، سمعت الشيخ في خطبة الجمعه يتوعد العاصيين بجهنم ، من وقتها تركت العمل ، وقد وعدني الشيخ أن يجد لي باب رزق حلال ، علي كل حال أنا لم أكن سعيدا بهذا العمل ، كان هناك الكثير من التصرفات التي تزعجني ، ولم أكن أقدر علي شيء لعجزي وقلة حيلتي ، لم أستطع تعلم حرفه أو إيجاد عمل غير هذا ، ولا أخفي عليك كان هذ العمل يدر علي الكثير ، ثم توقف فجاءه وهو يعتذر عن إسهابه في الحديث ، و توجه إلي بسؤال وأنت يا أستاذ ماذا تعمل ؟ أنتبهت لسؤاله بعدما كنت مصغيا إلي حديثه ، ثم أجبته صحفي أعمل باحدي الصحف ، أكمل حديثك ربما أكتب عنك وعن حكايتك في الصحيفه ، هز رأسه في عجب وأشرأب عنقه زهو يسال من جديد ، والشغلانه دي بتكسب كويس ، فتر ثغري عن إبتسامه وأنا أجيبه مستوره والحمد لله ، ساد الصمت من جديد ، بعدما سرح كل منا بخياله ونحن جالسين قبالة موج البحر وهو يزبد ويرغي .
قطع الصمت صوت ضحكه أنثوية صاخبة مرت صاحبتها بجوارنا ، إلتفت لأرى صاحبتها ، وتبعتها بنظري قبل أن أعود لرفيقي وسؤاله الذي ألقاه بعفويه ، هي حلوه ؟ دهشت من سؤاله ! لكني حاولت إخفاء دهشتي حتي لا إشعره بحرج ، لكنه فاجأني وهو يستطرد في حديثه والإبتسامه لم تفارق شفتيه لا تتعجب فلم أكن كفيف طوال عمري ، لقد كنت دوما أتمني أن تجمعني قبلة بأي أمرأه ، وددت لو عشت هذا الشعور وأحسست بتلك النشوه التي يتحدثون عنها ، ثم صمت برهه قبل أن يوجه سؤاله لي – هل جربت أنت هذا الاحساس ؟ صدمني سؤال وأنا الكاتب الذي يكتب عن الحب والعشق والعلاقات بين الناس ويصف ادق المشاعر ، لكنه وفي نفس الوقت فاشل علي الصعيد الإجتماعي والعاطفي ، لم يقم يوما علاقه مع اي فتاة ، حتي انني لم أفكر في الزواج ، كرر سؤاله وهو يتحسس الكرسي وظنا منه إنني غادرت ، إنتبهت ليده ، طمأنته وأنا أجيبه وأربت علي كتفه ، إنني لم أعش هذا الإحساس يوما فأنا غير متزوج ولست علي علاقه بأي أمرأه ، لقد كان وقتي كله لدراستي ثم لعملي بعد ذلك ، ظهرت إمارات الخيبه علي وجهه وهو يرد - خسارة – كنت أظن إن شخص مثلك سيكون الأقدر علي وصف هذا أساس عاشه هو وعجزت أنا عنه !
سألته لكن لما لم تفكر أنت في الزواج .. دق الأرض بعصاه في ضيق وهو يحاول مدارة إبتسامة ساخرة أطلت من قسمات وجهه وهو يجيب هل تجد من ترضي بعاجز مثلي ... ناهيك عن إني غير قارد علي إعالة نفسي فما بالك بالزواج والأولاد ، ثم توقف هنيه لكن لا تظن إني غير راض بالعكس أنا مؤمن بقضاء الله وقدره وقد سمعت الشيخ يردد إن من يرضى بحرمانه من نعمة البصر فليس له عند الله من جزاء الا الجنه وأنا صابر وراضى ، ثم إلتفت إلي مجددا وهو يضك ويقول هي كانت حلوه .
حديثه جعلني إدرك أنني ظللت كل تلك السنوات أسير في اتجاه خاطئ ، ما فائدة نجاحي في عملي الذي لم يحقق لي إلا قدر ضئيل من السعاده ، لما لم ألتفت يوما إلي حياتي وأحاول تنظيمها ، لما لم أحاول أن أعيش حياتي كما ينبغي وليس كما أخترت وحصرت أهتمامي بعملي وفقط ؟ ونسيت إني أنسان يحتاج للحب .. للعلاقات السويه للصداقة التي لم أعرفها يوما في خضم تركيزي وعملي المستمر ، نظرت إلي الموج وأنا احاول مراجعة كافة حساباتي من جديد ، مرت عدة دقائق قبل أن انتبه إلي إختفاء رفيقي ، لم اشعر برحيله وأنا منشغل بالتفكير ، قمت إلي سيارتي ،سلكت طريق العوده ، حين وصلت أدركت أني لم أنتبه لأي شخص خارج السياره ، كان فكري منصب علي محاوله إحداث حالة من حالات التغير في طريقة حياتي
بعد عدة أشهر حين عدت إلي نفس المكان وكنت بصحبة زوجتي الحامل ، لم أجد أثر لرفيقي الكفيف ، ورغم تكرار مروري علي نفس المكان لعدة أشهر تاليه لم يصدف أن قابلته .. شعرت بعدها أنه ربما أختفي إلي الابد
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق