كان قد أقترب من النافذه المسيجه بقضبان ذكرته بأيامه الخوالي،، أنطلق الصوت مجلجلا ومعلنا الأغلاق قبل أن يحصل علي أرغفة الخبز التي أنتظرها ساعات ،، جر قدميه في يأس ،، وصل إلي طرف الرصيف ،، جلس متثاقلا ،، إنهمرت من عينيه الدموع ،، وشعوره بالانكسار وقلة الحيله يعتصرانه ،، شعر بغصة في حلقه ،، تقافزت الأسئله بحلقه ،، ماذا تراه سيخبر حفيده عند عودته خالي الوفاض؟ بكي بحرقه ،، لم يدر كم مكث علي حاله ،، حين رفع رأسه تداعت أمام عينيه الصور،، عاد بذاكرته إلي أولى انكسارته ،، لم يكن يومها قد تعدي السابعة عشر ،، سمع بالهزيمه ،، النكسة كما كانو يطلقون عليها ،، شعر بمرارة الذل والهوان يومها ،، ليس من الهزيمه ،، لكن من خداع من آمن بهم ،، كان وقتها يافعا ،، حاول أن يقاوم إنكسارته ،، لم تمض سنوات كثيره ،، وجاءت الضربه الثانيه ،، تم رفضه في كلية الفنوان ،، الكليه التي عشقها ،، لم يدر السبب ،، أهو الروتين ،، البيروقراطيه ،، أم حظوظ غيره ممن لهم الحظوه ،، لم تشفع له ريشته ،، لم تسنده موهبته ،، حط رحاله بكلية اخري،، لم يدر لما دخلها ولا كيف خرج منها ،، حاول أثناء وجوده هناك أن يشغل نفسه بأي شئ ينسيه أنه لم يحقق حلمه ،، أنضم لأحدى الجماعات المنتشره بالكليه ،، أفاق وهو في أحد السجون ،، جلس وحيدا منهكا ،، تساءل في وهن هل سكنتة الذله،، الأهانه هذه المره فاقت كل حد ،، كرامته أنتهكت ،، وأستبيحت أنسانيته،، ذاق أياما من العذاب ،، في النهاية وجد نفسه ملقي خارجا بلا تحقيق أو عرض علي القضاء،، حين حاول فتح عينيه ،،وجد نفسه بجوار كيس نفايات ،،ربت عليه وهو يتحامل علي قدميه ليغادر ،، تمتم وهو يودعه بنظره ،، ما الفرق بيننا،، عاد إلي الكليه ،، قضي معظم وقته ساهما ،، تعلم أن يبقي وحيدا،، لا يتحدث لا يشارك في أي نشاط،، مضت سنين دراسته ،، يوم حصوله علي شهادته خاصمته الفرحه بعد أن أختطف الموت والديه تحت أنقاض بيته العتيق،، بكي يومها صمتا ،، بعدما عنفه الحزن بقسوه،،وأقترنت الوحده بمشاعره،، بزغ شعاع أمل حين عرض عليه أحد أصدقاء والده عملا ،، مرت أيامه بطيئه ،، لكنه شعر أن الهم ربما سئم من مصاحبته ،، حاول أن يقبل علي عمله ويجتهد ،، فاجأه صديق والده بعرضه للزواج من أبنته ومرافقتها في عملها بأحدي دول الخليج ،، تم الأمر بسرعه ،، تنفس الصعداء وهو يري الامل يعاود مداعبة حياته ،، مرت أيامه بيسر،،، رزق بطفل وفرصة عمل جديده،، طار قلبه الذي ما عرف الفرح من زمن ،، تحمل الكثير في سبيل أن يستمر في عمله ،، برغم ضغوط صاحب العمل ،، حاول الأستمرار ،، أزدادت الضغوط والأهانات ،،أتفاقيه الصلح مع العدو فجرت غضب صاحب العمل،، لم يتبرم علمته المحن التي مر بها الصبر،، يشعر كل يوم بزيادة المهانه ،، جاءت القاصمه فارقت زوجته الحياة لم يستطع الأحتمال ،، غادر عائدا إلي وطنه ،، بعدما تكالبت الظروف عليه،،قست عليه الحياة أكثر مع وفاة حماه بعد عودته بأشهر قليله ،، مكث في بيت حماه ،، بعد أن رق قلب العجوز صاحبة المنزل له ولولده ،، بل وطلبت منه أن يترك الصغير لديها ،، رحمة الله ساقت إليه الفرج ،، موجة الانفتاح التي أغرقت الوطن أوجدت له فرصه عمل براتب جيد،، في سنوات قليله تحسنت أحواله ,, أدخل ولده المدرسه ،، وشق طريق نجاحه في عمله ،، أصبح لديه رصيد في البنك ،، شعر بأن الدنيا قد أقبلت عليه ،، وانها لن تدر ظهرها له من جديد،، مضت عدة سنوات قبل أن تنهار شركات كثيره ،، بعدما فضح أمرها ،، وأمر تجارتها بالأغذيه الفاسده ،، أغلقت الشركه أبوابها ،، وكادت الاتهامات تطوله ،، لولا رحمة الله ،،، عاني طويلا قبل أن يدله أحد أصدقائه علي شركات توظيف الأموال التي تعطي أرباحا عاليه ،، توجس من الأمر في البدايه ،، إلحاح صديقه ورغبته في أن يكمل ولده دراسته ،، دفعاه إلي الموافقه ،، سلم كل ماأدخره إليهم ،، مرت أشهر وهو يستلم أرباحه علي أحسن وجه،، كان راضيا ،، لم يكتمل العام الثاني إلا وقد توقفت الدفعات ،، ضيقت الحكومه الخناق علي شركات توظيف الأموال،، هرب البعض وسجن أخرين ،، وفقد البسطاء أمثاله أموالهم ،، عاد معدما ،، وعادت الظلمه تساكن حلمه ،، تلاطمت أمواج حياته وهو يكابد ضيق العيش،، ويراقب ولده الوحيد وهو يخطو نحو الجامعه،، كان هذا سلواه الوحيد ،، تنقل بين أعمال كثيره ،، حرصه علي أن يوفر لولده فرصته لأكمال تعليمه ،، جعلته يعمل ليل نهار،، ويقبل بأي عمل ،،كانت فرحت لا توصف حين ألتحق ولده بكلية الهندسه،،مرت سنوات دراسته سريعا ،، وهو يتطلع بشغف ليوم تخرجه،، تنفس الصعداء أخيرا تحقق حلمه ، وأصبح والد المهندس ،،، خر راكعا شكرا للهأن أدرك هذا اليوم ،،، مرت اشهر قبل أن يجد ولده عملا ،، حاول بشتي الطرق ،،، أخيرا ظهرت بارقة أمل،، أعلان طلب مهندسين بأحدي دول الخليج ،، رغم قسوة البعد ألا أنه شجع ولده علي السفر،، مكث عام وعاد كما وعد أبيه حين ودعه في الميناء ،، عانقت دموع الفرحه قلبه ،، أسر إليه برغبته في أن يزوجه ، دمعت عيناه وهو يهمس أريد أن أري حفيدي قبل أن ألحق بأمك ،، مازحه لكن أين العروس ،، تهلل وجهه وهو يصيح ،، بنت جارنا ،، كما تزوج هو قبلا تمت الأمور بيسر وتم الزواج،، لم يمكث غير شهرين ،، غادر بعدها إلي عمله تاركا زوجه حاملا ،، مضت الأشهر سريعا ،، وهو يغالب لهفته لأحتضان حفيده ،، لم يستطع ولده الحضور لظروف عمله ،، حين تلقف سمعه صوت الصغير شعر بسعادة لم يستشعرها ألا يوم تخرج ولده من كلية الهندسه ،، سهر علي راحته وراحة أمه ،، مضت ستة أشهر كأنها ستة أيام وهو يعايش صغيره ليل نهار ،، لا يفتأ يحتضنه ويقبله ،، لا يتركه لأمه الا وقت النوم ،، أكتملت سعادته برساله من ولده يحدد موعد عودته ،، انتظر يوم وصوله بلهفه ،، أصطحب حفيده وزوجة ولده لأستقباله في الميناء ،، تأخرت العباره ،، تهامس الجميع في قلق ، تعالت الهمسات ،، اخترق الصمت صوت صياح النساء ،، لقد غرقت العباره ،، لم تستطيع قدماه أن تحمله ،، تجمد الدمع بعينه ،، لم يستطع المغادره كان يأمل ألا يكون الخبر صحيحا ،، احتضن حفيده في جزع ، لم ينطق بحرف طوال رحلة العوده إلي البيت ،، مكث أياما لا يبرح السرير ،، ترك الحزن رسائله محفوره علي قسمات وجهه ،، حاولت زوجة ولده أن تخرجه من صمته ،، تترك حفيده يداعبه ،، أستجاب لأبتسامته بعد فتره ،، أخذ عهد علي نفسه ألا يشعره باليتم يوما ،، وأن يكون له والدا قبل ان يكون جدا،، مرت سنوات ست ، وكل يوم يزداد شظف العيش ،، ويزداد حمله ،، لكنه يتذكر عهده فيزداد أصراره علي مواصلة سعيه ،، وعدم السماح للزمن أن يكسره ،، كفاه إنكسارات ،، لكن الزمن يقسو أكثر كلما لمح الأصرار علي ملامحه المنهكه ،، كان غدا هو أول يوم لحفيده في المدرسه ،، وعده بأن يلعب معه بعد أن يحضر الخبز لطعام يومهم هو وأمه ،، شرط أن يكون رجلا ويذهب غدا للمدرسه مبتسما فرحا ،، أستفاق علي صوت جلبه صادره من المخبز ،، أستند علي حافة الرصيف وهو يحاول أن يقف ليعرف سبب الجلبه .. تدافعت جموع الجوعي بعد أنهددهم صاحب المخبز ،، نشبت مشاجره ،، حاول الأبتعاد لم تسعفه قدماه ،، وجد نفسه تحت الأرجل تركله بلا رحمه وهم يتشاجرون علي رغيف خبز ،، لم يستطع الصمود أنهارت قواه ،، تبسم وهو يسلم الروح ،، فقد أيقن انه لا انكسارات بعد اليوم ...
تمت
تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق