الأربعاء، 27 مايو 2009

قمر


لم يدر بخلدي وأنا أضمها إلى صدري وأحيطها بذراعي قبل أن أطبع على جبينها قبلة ، أنها المرة الأخيرة التي ستتلاقى أرواحنا وأجسادنا معا ...هبطت الدرج بخفة ، حين صدمني هواء الطريق التفت بعفوية ناظرا إلى الشرفة في الاعلى , لمحتها تمسح دمعتها بيدها وهي تلوح بالأخرى , تبسمت وأنا أحاول التماسك وتابعت طريقي , لم يكن يفصلني عن موعد الطائرة سوى سوىعات قليلة , فكرت أن أسير قليلا ، كانت الشوارع مزدانة ، وأصحاب محلات الحلوي منتشرين في كل زاوية ، أدركت أن أحدى المناسبات الدينية على الأبواب , لمحت عروسة من الحلوي راقني منظرها شعرت بأنها تكاد تكون نسخة عنها في رقتها , سارعت بشرائها لا أدري لما ، بعدما سرت خطوات نظرت لما بين يداي وتبسمت , أهو الطفل بداخلي ، أم أنني أريد ألا افقد مظاهر علاقتي بعادات أبناء وطني ، مر طيفها أمامي فكرت أن أعود لأهديها تلك العروسة ، ترددت قليلا ، ، كان فكري منشغلا ، نظرت إلى ساعتي .. هممت بعبور الطريق ، وجدتني أطير في الهواء بعدما صدمتني سياره انشقت الأرض عنها في لحظه .. احتبس صوتي , شدة الألم أفقدتني الوعي للحظة , شعرت بجسدي يقترب من الأرض ,أغمضت عينيَّ فتراءى شريط حياتي كله أمامي .
أحرفي التي تناثرت عبر أوراقي فضحت أمري , على هامش كتاب السنه الخامسه كانت أولي كلماتي , موسيقي حرفي البسيط لفت أنتباه مدرس الفصل ، تبسم في هدوء بعدما أجبته أنني صاحب تلك الاحرف ، ربت على كتفي وهو يحمل الكتاب ليريه لزميلته مدرسة التاريخ ، كان فخورا بتلميذه , شجعتني أبتسامته وأهتمامه بكل ما أكتب , توقف نزف قلمي بعدما غادرت المدرسه ، أنغمست في عنف طلاب المدرسه الاعداديه ، كنا نحاول أن نثبت اننا رجال ، أبتعدت عني أحرفي ، ولم تطرق بابي إلا بعد شهر من دخولي المرحلة الثانوية ، كنا في طريقنا إلى المدرسه حين لمحتها ، وقفت متأنقة بزيها المميز الذي يعلن عن أنتمائها لأحدى مدارس اللغات ، لم أعد إلى المنزل ذاك إلىوم إلا وأحرفي تتراقص من جديد على ورقة زهرية أقترضتها من زميل ، ظللت أمر مبتسما أمامها لمدة شهر كانت لا تعيرني أهتمام في البداية ، ثم أصبحت تبتسم وهي تدير وجهها متصنعه عدم أكتراثها بنظراتي ، حلت إجازة الصيف ثقيلة وكنت أعلم أني سأحرم رؤيتها ،
حين أعلن عن تكوين جماعة أدبيه في الصف الثاني ، كنت قد شعرت بتمرد قلمي ، كنت أكتب في كل شئ وعن أي شئ كنت أكتب في هوامش كتبي والصفحات الاخيره من كراسات الفصل ، كنت أكتب خلف تذاكر الترام والقطار ، شعرت بأني أصبحت من كبار الكتاب , جمعت كل قصاصتي ، صنفتها وذهبت إلى أحدى المطابع الشعبيه , كان لدي بعض المال ، وافق على طباعة الكتيب ، حين تسلمت أولي النسخ وشرعت في توزيعه ، أصابتني خيبة الأمل ، من أنا وما قيمة ما أكتب , صدمت في قلمي غير المعروف وغير المرغوب ، حتي من أهديتهم نسخي لم يكلفوا أنفسهم بتصفحها ، ذبل القلم وشعرت بإنكسار الحرف بداخلي
النقله الهائلة التي واكبت دخولي الجامعه أيقظت في نفسي هاجس الكتابة من جديد ، بدأت على أستحياء ، كنت أراقب وأكتب واصفا العلاقات من حولي ، كنت قليل الكلام خجولا , متوجسا من الدخول في أي علاقة كمعظم زملائي الذي لم تمض الاشهر الثلاثةالاولي إلا وكان كل منهم قد تعرف إلى رفيقة وكونا ثنائيا ، كنت سعيدا بكوني المتفرج الوحيد على قيام العلاقات وإنهيارها ، وكنت أسطر بقلمي كل مايدور ، ولم أطلع أحدا على حرف مما أكتب , ورغم أنزوائي إلا إنني وجدتني بعد فتره كاتم أسرارا الجميع ، وجدتني من حيث لا أدري طرفا في كل النزاعات والعلاقات ، ومن ثم وجدتني أتحول إلى شخص أجتماعي مشارك للجميع في كل ما يفعلونه ، وكانت تجربتي الأولي..
في أحدى الرحلات التي قام بها الزملاء وجدتني أوافق على الأشتراك فيها بعد إلحاح ، بعد أن ركبنا الحافله بدقائق لمحتها ، لم تكن ممن رأيتهم قبلا , تكرر تلاقي أعيننا كانت تضحك وتنظر إلى الأرض , شجعتني ضحكتها أقتربت من مكان جلوسها , تلعثمت قبل ان أسألها عن أسمها ردت وهي تبتسم ، استأذنت صديقتها التي كانت تجلس بجوارها , جلست أتجاذب معها أطراف الحديث , كان الصخب عالي غناء وفوضى وأصوات مختلطه , لكننا كنا في زمان ومكان أخرين , كان التوافق في تركيبتنا جليا , شعرت بدبيب الحب لأول مره في حياتي , وعرفت معني العشق , تحركت أحرفي من جديد بعثت برقتها ودفئها كل الأحرف التي وارها التراب , كتبت فيها ولها الكثير وهمت بها عشقا , عرفت بحبها الجارف ان تجعلني أصوغ حرفي بجمال , غيرتها كانت تحركها أحيانا للدفاع عن وجودها كأنثي وحيده في حياتي , وكانت هذه نقطة الخلاف الوحيده , عشقها لتفردي في كتابة أعذب الحروف وأكثرها رومنسيه كان يغفر لي عندها كل زلة , تسارع مرور الأيام , وصفعتنا الحياة بواقعها المر , أنتهت سنوات الدراسه , وتجلت الصورة الواقعيه بوقاحة أحتياجاتها الماديه وقسوتها , قررت السفر ولم أحسب لثورتها على قراري وأبتعادي حساب , خيرتني بين البقاء او أصطحابها لأي مكان أود الذهاب إلىه , وكلا الخيارين كان مستحيلا وقتها .
حينما شعرت بعنادي , جارتني في مشروع سفري , كنت كمن يقتلع قبله بيده من صدره , حاولت التماسك لأجلها , لكنها صدمتني بتماسكها وغضبها المكتوم , لم يمض شهران على سفري ألا وهي تخبرني بأنها قد خطبت وأنني السبب لأني لم أستمع لصوت قلبها , وأهنت كبرياء الأنثي داخلها , أسودت الدنيا في عينيَّ , وشعرت بإنهيار كل أحلامي , أنطويت على ذاتي , كسرت قلمي , وركزت كل حواسي في عملي ... أدركت حينها أن القلم بيدي جسد يحتاج لأنبعاث روح فيه ليتحرك ولتدب فيه روح الأبداع , ودعته بعد أن شعرت بأن مشاعري قد دفنت , وبأنني لن أعد قادرا على إيقاظ حرف من أحرفي من جديد ،
توالت أيامي مرورا ونجاحاتي وأنكساراتي , صعودا وهبوطا , فكرت أن أعاود محاولة التعايش مع ذاتي من جديد , ومضت فكرة الزواج بذهني , ربما تكون تلك بداية حقيقية , قررت أن أعمل عقلي هذه المرة , وجدتها .. أنسانه بسيطه أحلامها مثلها , برغم انني لم أجد قاسماً مشتركاًبيننا , إلا إنني صممت على الأستمرار , لم تمض السنه الأولي ألا وقد رزقنا بطفلنا الأول , بعث بعض البهجه في علاقتنا , لم يطل الوقت حتي رزقنا بطفلنا الثاني ,كنت تائها أبحث عن ذاتي عن بعض السعادة التي كنت أسمع عنها , لكن لا جدوي , شعرت وقتها أن ساعة التغير التي كنت أنتظرها قد توقفت عقاربها وصدأت تروسها , بحثت حولي لم أجد إلا قلمي الذي رقد في سبات , حاولت أن أوقظه عله يكون سلواي فيما آلت إلىه حياتي , مضت أشهر قبل أن أفلح في أستعادة وهج حرفي , كنت أعيش لأنه يجب أن اعيش وليس لسبب أخر , كل الحزن الذي تراكم بداخلي كان وقودا أنطلقت منه شرارة البدء ,وجدتني كبركان تفجر , نهر أنسابت جداوله , ومع هذه البداية وتلك الصحوة لقلمي بدأت أنشر ما أكتبه , وبدأت قصتي مع قمر في ذاك الوقت.
كنت أتلقي رسائل الإعجاب ممن يتابعون ما أكتب , كنت أرد على بعضهم , وأتابع بشغف أعادني سنوات ومنح قلبي رشفه من أكسير الحياة , تميزت رسائل قمر برقتها وعذوبة أحرفها , تنامي أهتمامي برسائلها كثيرا , وأصبحت انتظر أي حرف تخطه , وأتلهف لمعرفة رأيها فيما أكتب , شعرت هي بأهتمامي , توطدت علاقتنا لتشمل الجانب الشخصي وليس الأدبي وحسب , كانت صاحبة قلم راق , وإحساس مرهف , تشاطرنا كل حرف , وشعر كل منا أنه أنما خلق للأخر , كان هناك من القواسم بيننا الكثير , شعرت بعاطفة جارفة تجاهها , رقص قلبي فرحا حين صارحتها بمشاعري وأجابتني على استحياء أنها هي أيضا تكن لي نفس المشاعر وربما أكثر, لم يمض وقت طويل حتي تعرف كل منا على حياة الأخر بكل صدق وشفافيه , أحترمت بساطتها وأحترمت صدقي ,، إزداد تقاربنا وشعرنا بأننا لن نستطيع العيش إلا معا ، تفهمها لوضعي العائلي , بسط الأمور كثيرا ,
كنت أعلم أنني سأجابه بسيل من الغضب , لكن حبي الجارف لها كان سندي , سافرت إليها لترتيب أمر إرتباطي بها , لكنني لم أستطع إلا إتمام كل شئ , بين عشية وضحاها تزوجنا ,وقضينا معا أجمل اللحظات ,رقتها فاقت كل ما تصورت , دفء مشاعرها كان يبهرني كل يوم , أنوثتها الطاغيه ملكت على حواسي , شفغها وبساطة نفسها جعلا السعادة وصفا بسيطا لما كنت أستشعره وأنا بقربها , وكأن الحياة تريد أن تعوضني عن كل ما فات , كانت أنثي بكل ما تحمل تلك الكلمة من معان , وكنت أنا ظمآنالذاك الحب الذي كانت تمنحه في رضىً ,، أسكرني قربها وعاد قلمي ليكتب أجمل وأرق ما كتب على أنغام همسها , وعطر أنفاسها , ودفء عيونها .
كان لزاما أن أعود لترتيب أموري ومعرفة كيف ستسير حياتي بعد الذي حدث , وكان لقائي بها لأودعها قبل دقائق من الأن ... أنقطع خيط الذكريات ولم أعد اشعر بشيئ وجسدي يقترب من الأرض و يستقر علىها بلا حراك
حين أفقت لمحتها بجمالها ورقتها على حافة السرير جالسه في سكون همست في ضعف قمر , مسحت دمعتها وهي تراني أفتح عينيَّ ، اقتربت وإبتسامه تكسو وجهها ,همست كيف حالك حبيبتي , توقفت الأحرف وأنا أري بعض الشعيرات البيض قد تسللت إلى رأسها , لمحت علامات الدهشه بعينيَّ , همست لقد مضت ست سنوات على الحادثة يا حبيبي , سقطت من عيني دمعه قبل أن أعود لغيبوبتي من جديد .

تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق