لا أعرف بالضبط لماذا كنا نناديها بهذا الأسم , وهل لهذا علاقة بشدة بياض بشرتها وسمنتها المفرطة , أم أن هذا هو الأسم الحقيقي الذي أطلقة أبواها عليها ,
على كل حال فلنترك أمر هذا الأسم الأن ولنتعرف على صاحبته, سيدة أربعينية تزين وجهها دوما إبتسامه وضاءه , عينان ودودتان, بمجرد النظر إليهما , تستشعر أنك تعرف صاحبتهما من زمن , بساطتها تدخلك معها في حوار مباشر , مندفعه بعض الشئ برغم الهدوء الذي قد يشع من حولها , مثقفه بدرجه عاليه , تتابع الأحداث بشغف وتتفاعل مع كل حدث بطريقتها الخاصه , نشطة لحد مذهل , وبقدر إندافاعها وفرط نشاطها إلا أنها تهدأ بسرعه , حين تري إجتياح القوات الاسرائليه لغزه تنادي بمساندة أخوتنا في غزة ومقاطعه كل ما هو أمريكي , يحدث هذا صباحا , وتراها في المساء وقد جلست بأحد مطاعم الوجبات السريعه الأمريكيه والتي تهواها بشغف,
حين نشرت الصحف الدنمركيه الصور المسيئه لرسولنا الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) كانت أولى المناديات بمقاطعة بضاعتهم , لكنها لم تلبث كثيرا حتي عادت وبررت إستخدامها لبعض تلك البضائع , الضرورات تبيح المحظورات , وبعض هذه المنتجات في نظرها ضرورية ,
لم تحظ يوما بزوج رغم رقتها ودفء مشاعرها , حين تسألها أحداهن عن السبب , تضحك وهي تحاول مدارة حيرتها , مرجعة الامر للقسمة والنصيب, رأيها أن المرأه نصف المجتمع لكن يجب أن تكون السياده للرجل والقياده لسفينة الحياة يجب أن تناط به , لكن لا يمنعها رأيها هذا من الأنضمام لجمعيات حقوق المرأه ,
تعشق حب وطنها , لكنها ناقمه على كل الساسه , تظن أن التغير الجذري للقيادات الحإليه سيأتي بكل خير , لديها تصورها الخاص بمجتمع قائم على العداله والمساوة , لكنها لم تنخرط يوما في أي تنظيم سياسي او حزبي لتفعيل فكرها ,
تنصح كل رفيقاتها وبناتها في المدرسه الثانويه التي تعمل بها كمدرسه أولى للغة الفرنسيه بعمل حميه للمحافظه على قوامهن , وهي أولى المخالفات لتلك النصائح ,
تركيبه عجيبه من المتناقضات, لكنها تتمتع بحب كل المحيطين بها , وحافظة أسرار الجميع , الناصحه الأمينه التي يلجأ إليها الصغار والكبار, صاحبة كريزما خاصة , بناتها كما تحب أن تطلق هي على طالبات الصف عندها, يعاملنها بحب فائق يصادقنها , ويغتنمن كل فرصه للتقرب منها , كن طريقها إلى معرفة صفحات الأنترنت , والشات , من خلالهن عرفت عن الكثير من القضايا , وتفاعلت معها , كتبت وشاركت البنات أحلامهن , وشجعت الموهوبات منهن , روحها المغامره وجرائتها جعلت منها خير محفز لأستنهاض طاقات البنات , دلتها أحداهن على موقع شخصي يهاجم الحكومه , وينتصر لاحدي الصحفيات اللواتي أحتجزن ظلما , يجمعون التوقيعات لمناصرتها , كتبت بصدق رافضه الظلم , ومندده بما حدث , تكرر الموقف حين سمعت عن موقع يدعو إلى الأضراب العام, كتبت مشاركه ومسانده , لم تكن على درايه قويه بتكنولوجيا الويب , تسجل باسمها الحقيقي , وتذكر كافة البيانات بشفافيه ,
وصلتها رسائل تهديد , ورسائل أخري تحمل في طياتها سب وشتائم رهيبه, تجاهلت كل هذا , فوجئت بجرس الهاتف في ساعه متأخره, شخصا يهددها , ويتوعدها , أغلقت السماعه ,باتت ليلتها متيقظه, في الصباح طلبتها المديره , لمحت أثار الفزع والحزن على قسماتها , سألتها بحذر عن اخر إجازه قامت بها , لم تفهم المغزي , طلبت منها أن تقدم على إجازه , حين حاولت أن تفهم , لم تعطها الفرصة , ألمحت بأن عليها ضغوط , وأنها تفضل لو قدمت إستقالتها , فهي لا ترغب في وجود مشاكل, لم تستطيع أن تفهم , جلست في البيت أياما لا تدري أتبكي أم تكتم ألمها , زارتها بناتها , غضبن لما حدث , وعدنها بأن يكتبن عن ما حدث لها , وأن يستنصروا الوزير , تبسمت وهي تحذرهم من كتابة أي شئ , الأن على الأقل , مضت الأيام رتيبة , لا يكسر كآبتها سوي زيارات البنات لها من وقت لأخر , أقبالها على الحياة خفف من حدة محنتها , التي لم تعرف لأنتهائها تاريخا , أفاقت ذات صباح على جرس الباب , وجدتهن بصخبهن ومرحهن , أخبرنها عن مظاهره سيشتركن فيها للتنديد بالظلم والفساد , طلبن منها أن تخرج من عزلتها وتشاركهن, ترددت في البدايه لكنها وجدتها فرصه لأستخراج مكنون صدرها من الحزن المكبوت , هللن لموافقتها , وأتفقن على الحضور في الغد لأصطحابها , مكثن يصغن بعض العبارات الرنانه , وأتفقن على عمل بعض اللوحات المعبره عن غضبهن , تناست حزنها لوهله وهي تنصهر بين أفكارهن وحماسهن, في اليوم التإلى كانت على الموعد , خرجت معهن وكلها حماسه , أنضممن لجموع المتظاهرين , هتفت بأعلى صوتها , لم تشعر ألا وهي في مقدمة الصفوف , شعورها بالظلم كأن وقودا لمشاعرها,أزداد الهتاف , وتكاثرت الجموع أكثر فأكثر , أقتربن من سياج من رجال الأمن طوق المكان, لم يجفلن , تراجع السياج أمام ضغطهن خطوات , بصيحه من رئيسهم أرتفعت الهروات في الهواء , لم يتوقف الزحف , صرخة أخري جعلت الهروات تهتز في أيديهم بعنف فوق الرؤوس, تفرق البعض , وأنهارالبعض تحت وطأة الضرب الأعمي والأصم , بدأ رجال الأمن في إلقاء القبض على البعض , وتقيدهم وشحنهم في السيارات المنتظره , لم تدر إلا وهي ملقاة في زاويه إحدي سيارات الأمن , وفوقها ثلاث بنات قد خضب الدم وجوههن, في ظلمة السجن جلست تبكي بحرقه , لم يتوقف دمعها , إلا بمواساة أحدي زميلاتها في الزنزانه ذكرتها بعدل الله وأن ما هم فيه أنما هي محنه من الله , أطمئنت لحديثها وهدأت نفسها قليلا , في الصباح أفاقت على أسمها ينادي , نظرت بصمت إلى الضابط , شعرت بكراهيه لم تستشعرها يوما, تبسم في تشفي وهو يوجه لها الأسئله , لم ترد على أغلب الأسئله , كانت نظرات الأحتقار والأزدراء تملؤه غضبا عليها فيشير لأحد زبانيته أن يلطمها , حين أعادها إلى الزنزانه كانت دموعها تغطي قسماتها, أحتضنتها رفيقتها في حنو , ربتت على ظهرها همست في ود أصبري أقترب يوم القصاص , لم تفهم ما تعنيه , مكثت في حبسها عشرون يوما , ذاقت فيها صنوف الذل والهوان, حظها العاثر أوقعها مع ضابط بلا ضمير , يتسلي برؤية الدم والدموع , يعتبر كل خارج عن السلطه وأوامرها مهما كان , خائنا يجب النيل منه, بأسإليب قانونيه أو قمعيه لا يهم , قضت ليإليها دامعه ذاهله , وأيامها ذابله متألمه بين أسإليب مهينه في التحقيق , وسيل من الإهانات والتعذيب ,لم يخفف عنها الا حديث زميلتها التي عرفت فيما بعد أنها صحفيه في جريده معارضه للسلطة , وأنها منتميه لجماعة تدعو إلى الحريه والديموقراطيه , كما حاولت أن تشرح لها أهدافهم ورغبتها في أن تصبح واحدة منهم تناضل من أجل الوطن وتحريره من الطغيان , كأنت تستمع إليها وتناقشها أحيأنا في محاولة لقتل الوقت ,لم تكن مقتنعه تماما بما تناقشها فيه , وبما تحاول أن تقنعها به وهو الإنضمام إليهم في سعيهم إلى إحداث تغييرولو بالعنف طالما أن الوسائل السلميه لم تفلح , تعددت جلسات التحقيق , لم يصل معها الضابط لشئ يدينها , جاءته الأوامر بالافراج عن كل من أعتقلهم , خرجت أنسانه أخري غير التي دخلت, مرتابه في كل من تقابله, زائغة النظرات, مرتبكة الفكر , لا ترد على الهاتف, لا تستقبل أحد في بيتها , قاطعت الجيران , وأنقطعت عن بناتها , عبثا حاولن أنتشالها من حزنها , كانت الأسئله بداخلها كثيرة , وعلامات الأستفهام لا حصر لها , لماذا يحدث لها هذا ؟ وكيف يكون الحوار هكذا القلم ترد عليه العصا ؟ والقوه تتصدي لأي رأي؟ كأنت تظن أن العالم ليس بهذا السواد ، ولم تسكنه الظلمه بتلك القسوه , خوفها على بناتها أن أقتربن منها , جعلها تتأني في إعادة علاقتها بهن , حاولت استعادة وظيفتها , كتبت للجهات المعنيه , طال أنتظارها , حاولت شغل وقتها بالكتابة , راسلت بعض الصحف , نشرت قصتها إحدي الصحف ، قصدت مبني الصحيفه لتشكر المحرر , فوجئت برفيقة زنزاتها , تبسمت وهي تهم بالجلوس , تجاذبا أطراف الحديث , أنصرفت على وعد بلقائها , بعد عدة لقاءات عرضت عليها الإنضمام إلى جماعتها , شعرت بأنه ماعاد شئ تخسره , وافقت .
نشاطها وإخلاصها جعلها تتقدم الصف , في أشهر قليله أنضمت لقيادة المجموعه , تعلمت الكثير عن قضايا الوطن , وكيف تدار الأمور لمصلحة ثلة قليله منتفعه , لا يهمها سوي مصالحها , قرأت الكثير من الملفات , تعرفت على الوجه الأخر لهؤلاء المتشدقين بحب الوطن أمام الشاشات , وكيف هو فسادهم وأفسادهم الذي طال شتي مجالات الحياة , حين أفاقت ذات يوم ونظرت في المرآه سرت بجسدها قشعريره , لم تعرف وجهها في المرآه , لم تكن ذات المرأه.
تمت